لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (١). فإنّه تبارك وتعالى مدح نبيّه بأنّه يصدّق المؤمنين وقرنه بتصديقه تعالى.
وفيه : أوّلا : أنّه إنّما مدحه بأنّه اذن ، وهو (٢) سريع القطع ، لا الآخذ بقول الغير تعبّدا.
وثانيا : أنّه إنّما المراد بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار الّتي تنفعهم ولا تضرّ غيرهم ، لا للتصديق بترتيب جميع الآثار ، كما هو المطلوب في باب حجّيّة الخبر. ويظهر ذلك من تصديقه للنمّام بأنّه ما نمّه وتصديقه لله تعالى (٣) بأنّه نمّه (٤). كما هو المراد من التصديق في قوله عليهالسلام : «فصدّقه وكذّبهم» حيث قال ـ على ما في الخبر ـ : «يا أبا محمّد! كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة أنّه قال قولا وقال : لم أقله ، فصدّقه وكذّبهم» (٥) ، فيكون مراده تصديقه بما ينفعه ولا يضرّهم ، وتكذيبهم فيما يضرّه ولا ينفعهم ، وإلّا فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين! وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصّة إسماعيل (٦) ، فتأمّل جيّدا.
__________________
(١) التوبة / ٦١.
(٢) أي : الاذن.
(٣) وفي بعض النسخ : «وله تعالى».
(٤) أي : ويظهر ذلك من أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله صدّق النمّام بأنّه لم ينم عليه ، وأخبره الله تعالى بأنّه نمّ عليه.
وهذا إشارة إلى ما أورده القميّ في تفسيره على سبب نزول الآية. راجع تفسير القميّ ١ : ٣٠٠.
(٥) هذا مفاد الرواية. وراجع نصّ الرواية في الكافي ٨ : ١٤٧.
(٦) عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، قال : كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله عليهالسلام دنانير ، وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن ، فقال إسماعيل : يا أبت! إنّ فلانا يريد الخروج إلى اليمن وعندي كذا وكذا دينار ، أفترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «يا بنيّ! أما بلغك أنّه يشرب الخمر؟» فقال إسماعيل : هكذا يقول الناس. فقال عليهالسلام : «يا بنيّ! لا تفعل». فعصى إسماعيل أباه ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ولم يأته بشيء منها ، فخرج إسماعيل وقضى أنّ أبا عبد الله عليهالسلام حجّ ، وحجّ إسماعيل تلك السنة ، فجعل يطوف بالبيت ويقول : «اللهم أجرني واخلف عليّ» ، فلحقه أبو عبد الله عليهالسلام فهمزه بيده من خلفه وقال له : «مه ، يا بني ، فلا والله مالك على الله هذا ، ولا لك أن يأجرك ولا يخلف