التخويف ، كان نقله حجّة بدونه (١) أيضا ، لعدم الفصل بينهما جزما ، فافهم (٢).
__________________
(١) أي : بدون التخويف.
(٢) ولا يخفى : أنّ المحقّقين النائينيّ والأصفهانيّ تصدّيا لتقريب الاستدلال بالآية الكريمة بوجوه أخر.
أمّا المحقّق النائينيّ : فقرّب الاستدلال بها بما زعم أنّه يندفع به جميع ما اورد من الإشكالات السابقة على الاستدلال بها. ومحصّل كلامه : أنّ الاستدلال بها يتركّب من امور :
الأوّل : أنّ الحذر واجب عند الإنذار. وذلك لأنّ كلمة «لعلّ» مهما تستعمل تدلّ على أنّ ما بعدها غاية لما قبلها ، سواء كان استعمالها في مقام التكوينيّات أو التشريعيّات ، وسواء كان ما يتلوها من الأفعال الاختياريّة أو غيرها. فإذا كان ما يتلوها من الأفعال الاختياريّة الّتي يمكن تعلّق الإرادة الفاعليّة بها ـ كما إذا قيل : «بلّغ الأحكام إلى العبيد لعلّهم يعملون بها» ـ دلّ الكلام على كونه محكوما بحكم ما قبلها من الوجوب أو الاستحباب ، فإنّ جعل الفعل الاختياريّ غاية للواجب يلازم وجوب ذلك الفعل ، كما أنّ جعله غاية للمستحبّ يلازم استحبابه ، وإلّا لم يكن من العلل الغائيّة. وحيث أنّ الحذر جعل في الآية الشريفة غاية للإنذار الواجب فتدلّ الآية على كونه واجبا لا محالة.
الثاني : أنّ المراد من الجمع في أقواله تعالى : ﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾ و ﴿لِيُنْذِرُوا﴾ وليحذروا هو الجمع الاستغراقيّ الفرديّ ، لا المجموعيّ الارتباطيّ. وذلك لوضوح أنّ المكلّف بالتفقّه هو كلّ فرد من النافرين أو المتخلّفين ـ على التفسيرين ـ. فالمراد إنذار كلّ فرد من النافرين بعضا من قومهم ، لا إنذار مجموعهم مجموع القوم ، كي يقال : «إنّ إخبار المجموع وإنذارهم يفيد العلم بالواقع ، فلا تشمل خبر الواحد الّذي لا يفيد العلم بالواقع».
الثالث : أنّ المراد من التحذّر هو التحذّر الخارجيّ والتجنّب العمليّ ، لا مجرّد الخوف النفسانيّ. وهو يحصل بالعمل بقول المنذر وتصديق قوله والجري على ما يقتضيه من الحركة والسكون. وليس المراد أيضا الحذر عند حصول العلم من قول المنذر ، بل مقتضى الإطلاق والعموم الاستغراقيّ في قوله تعالى : ﴿لِيُنْذِرُوا﴾ هو وجوب الحذر مطلقا ، سواء حصل العلم من قول المنذر أو لم يحصل ، غاية الأمر أنّه يجب تقييد إطلاقه بما إذا كان المنذر عادلا.
وبعد تماميّة هذه الامور الثلاثة يظهر أنّ الآية المباركة تدلّ على وجوب التحذّر العمليّ عند الإنذار ، وهذا معنى حجّيّة الخبر. انتهى كلامه ملخّصا.
ثمّ تصدّى لبيان الإشكالات الواردة على التقريب السابق ودفعها ، وتابعة في المقام تلميذه السيّد المحقّق الخوئيّ. فراجع فوائد الاصول ٣ : ١٨٥ ـ ١٨٧ ، ومصباح الاصول ٢ : ١٨٣ ـ ١٨٤. ـ