مخصّصة بالأدلّة الآتية على اعتبار الأخبار (١).
وأمّا عن الروايات : فبأنّ الاستدلال بها خال عن السداد ، فإنّها أخبار آحاد (٢).
لا يقال : إنّها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى ، إلّا أنّها متواترة إجمالا ، للعلم الإجماليّ بصدور بعضها لا محالة.
فإنّه يقال : إنّها وإن كانت كذلك ، إلّا أنّها لا تفيد إلّا فيما توافقت عليه (٣) ، وهو غير مفيد في إثبات السلب كلّيّا ، كما هو محلّ الكلام ومورد النقض والإبرام ، وإنّما تفيد عدم حجّيّة الخبر المخالف للكتاب والسنّة ؛ والالتزام به ليس بضائر ، بل لا محيص عنه في مقام المعارضة.
__________________
(١) هكذا أفاده الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٢٤٦.
والتزم المحقّق النائينيّ بأنّ نسبة الأدلّة الدالّة على جواز العمل بخبر الواحد إلى هذه الآيات ليس نسبة التخصيص ، بل نسبة الحكومة ، لأنّ تلك الأدلّة تتكفّل جعل الخبر طريقا بتتميم الكشف ومحرزا للواقع ، فيكون خبر الثقة بمنزلة العلم ، ويكون خارجا عن الآيات الناهية عن العمل بغير العلم موضوعا. فوائد الاصول ٣ : ١٦١.
وتبعه تلميذه المحقّق الخوئيّ في مصباح الاصول ١ : ١٥٢.
ولكن السيّد الإمام الخمينيّ ـ قبل ما ناقش في حديث الحكومة بأنّ الأخبار على كثرتها لم يكن لسانها لسان الحكومة ـ أجاب عن الآيات ـ مضافا إلى عدم إبائها عن التخصيص ـ : بأنّ الاستدلال بها مستلزم لعدم جواز الاستدلال بها ، وما يلزم من وجوه عدمه غير قابل للاستدلال به. بيان ذلك : أنّ قوله تعالى : ﴿لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ قضيّة حقيقيّة تشمل كلّ ما وجد في الخارج وكان مصداقا لغير العلم ، مع أنّ دلالة نفسها على الردع عن غير العلم ظنّيّة لا قطعيّة ، فيجب عدم جواز اتّباعها بحكم نفسها. أنوار الهداية ١ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦.
(٢) والحاصل : أنّه لا يصحّ الاستدلال بكلّ واحدة منها ، لأنّها أخبار آحاد ، ولا معنى للاستدلال بها على عدم حجّيّة خبر الواحد ، للزوم الدور.
وهذا الجواب أيضا ذكره الشيخ الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٢٤٦.
(٣) أي : غاية ما تدلّ عليه ـ حينئذ ـ هو عدم حجّيّة الخبر الواحد المخالف للكتاب والسنّة ، لأنّه ممّا توافقت عليه الروايات.