الواقع والقطع (١) وأنّ دليل الاعتبار إنّما يوجب تنزيل المستصحب والمؤدّى منزلة الواقع. وإنّما كان تنزيل القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة بين تنزيلهما وتنزيل القطع بالواقع تنزيلا وتعبّدا منزلة القطع بالواقع حقيقة (٢) ـ لا يخلو من
__________________
ـ الثاني : حكم القطع الّذي اخذ جزء الموضوع ، وهو وجوب التصدّق.
فلو قامت بيّنة على خمريّة مائع كان مقتضى دليل اعتبار البيّنة بالمطابقة تنزيل مؤدّاها منزلة الواقع ، فيترتّب عليه حكم الواقع ـ أي وجوب الاجتناب عنه ـ ، كما كان مقتضاه بالالتزام تنزيل البيّنة على الواقع منزلة العلم بالواقع ، فيجب التصدّق.
(١) هكذا في جميع النسخ. والصحيح أن يقول : «وما ذكرناه في الحاشية في تصحيح التنزيلين : تنزيل الأمارة والأصل منزلة القطع وتنزيل مؤدّاهما منزلة الواقع ...». وذلك لبداهة أنّه لا يمكن تصحيح لحاظ واحد في التنزيلين ، فإنّه من اجتماع المتضادّين.
(٢) والعبارة لا تخلو من الغموض. والمراد منها ـ كما عرفت ـ : أنّ دليل اعتبار الأمارة أو الاستصحاب لا يدلّ بالمطابقة إلّا على تنزيل المؤدّى والمستصحب منزلة الواقع. وأمّا تنزيل القطع بالواقع تعبّدا ـ وهو الأمارة والاستصحاب ـ منزلة القطع بالواقع حقيقة ـ وهو القطع الوجدانيّ ـ فلا يدلّ عليه دليل اعتبارهما بالمطابقة ، بل يدلّ عليه التزاما ، وذلك لوجود الملازمة بين تنزيل المؤدّى والمستصحب منزلة الواقع وبين تنزيل القطع بالواقع تعبّدا منزلة القطع به حقيقة.
واختلفت كلماتهم في بيان المراد من الملازمة في كلام المصنّف رحمهالله :
فذهب المحقّق الرشتيّ (الشيخ عبد الحسين) ـ في حواشيه على الكفاية المطبوعة بالطبع الحجريّ ٢ : ٢٠ ـ إلى أنّ المراد بها الملازمة العقليّة ، بمعنى أنّ التعبّد بأحد الجزءين من الموضوع لا يمكن بدون التعبّد بالآخر ، فما يدلّ على التعبّد بأحدهما بالمطابقة يدلّ على التعبّد بالآخر بالالتزام.
وفسّرها المحقّق الخوئيّ ـ تبعا لاستاذه المحقّق النائينيّ ـ بالملازمة العرفيّة ، بمعنى أنّ دليل الاعتبار يدلّ بالمطابقة على التعبّد بالواقع وتنزيل المؤدّى أو المستصحب منزلة الواقع. ويحكم العرف بالملازمة بين التنزيل المذكور وتنزيل العلم بالواقع التعبّدي منزلة القطع بالواقع حقيقة. فيدلّ دليل الاعتبار على التنزيل الثاني بالالتزام. فوائد الاصول ٣ : ٢٨. مصباح الاصول ٢ : ٤١.
وذهب المحقّق الأصفهانيّ إلى أن المراد بها مجموعهما ، أي أنّ الدليل الدالّ على تنزيل المؤدّى والمستصحب منزلة الواقع ، وإن كان يقتضي عقلا تنزيلا آخر ، لكنّه لا يقتضي عقلا أنّ أيّ شيء نزّل منزلة الجزء الآخر ، وحينئذ لا يبعد القول بأنّ العرف يحكم بأنّه القطع التعبّدي بالواقع. نهاية الدراية ٢ : ٧٢.