منها انصرافا إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه. كما يمكن دعوى وجوده (١) غالبا في كلام الشارع ، ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل : «يا أيّها الناس اتّقوا» و «يا أيّها المؤمنون» بمن حضر مجلس الخطاب بلا شبهة ولا ارتياب.
ويشهد لما ذكرنا (٢) صحّة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من العامّ الواقع تلوها بلا عناية ولا للتنزيل والعلاقة رعاية (٣).
وتوهّم كونه ارتكازيّا (٤) ، يدفعه عدم العلم به مع الالتفات إليه والتفتيش عن حاله ، مع حصوله بذلك لو كان مرتكزا (٥) ، وإلّا فمن أين يعلم بثبوته كذلك ؛ كما هو واضح(٦).
وإن أبيت إلّا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقيّ فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهيّة بأدوات الخطاب أو بنفس توجيه الكلام بدون
__________________
(١) أي : وجود ما يمنع عن انصرافها إلى المعاني الحقيقيّة.
(٢) من أنّ أدوات النداء موضوعة للخطاب الإيقاعيّ الإنشائيّ ، لا الحقيقيّ.
(٣) أي : ولا رعاية للتنزيل والعلاقة.
ومقصوده : أنّ صحّة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من تاليها لغير المشافهين ـ من دون رعاية قرينة مجاز وتنزيل الغائب منزلة الحاضر ـ أقوى شاهد على أنّها موضوعة للخطاب الإنشائيّ الإيقاعيّ ، وإلّا لما صحّ إرادة العموم إلّا بالتنزيل أو العناية ورعاية قرينة المجاز.
(٤) حاصل التوهّم : أنّ صحّة إرادة العموم من العامّ الواقع تلو الأدوات ليس لأجل وضعها للخطاب الإيقاعيّ ، بل لأجل كون تنزيل الغائب والمعدوم منزلة الحاضر والموجود أمرا ارتكازيّا يصحّح إرادة العموم من تلوها مع وضع الأدوات للخطاب الحقيقيّ.
(٥) وفي بعض النسخ المطبوعة : «مع حصول العلم به بذلك لو كان ارتكازيّا».
(٦) حاصل الدفع : أنّ الغفلة عن الامور الارتكازيّة وإن كانت ممكنة ، إلّا أنّ التفتيش عنها والتوجّه إليها يوجب العلم بها. وفي مثل «يا أيّها الناس» لا نلتفت إلى التنزيل بعد التوجّه إليه والتفتيش عنه. وعدم العلم بالتنزيل بعد التفتيش يكشف عن عدم كونه ارتكازيّا. فيكون معنى العبارة : «يدفع التوهّم عدم العلم بالتنزيل بعد التوجّه إليه والتفتيش عن حاله ، مع حصول العلم بالتنزيل بالتفتيش والتوجّه إليه لو كان مرتكزا ، وإلّا فمن أين يعلم بثبوت التنزيل ارتكازا».