لا يخفى ، ضرورة أنّ مجرّد ذلك لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها جهة اخرى يمكن عقدها معها من المسائل (١) ، إذ لا مجال حينئذ لتوهّم عقدها من غيرها في

__________________

ـ وهذا ما ذهب إليه المحقّق القميّ في قوانين الاصول ١ : ١٤٠.

وفيه : أنّ الضابط في كون المسألة كلاميّة هو أن يكون البحث فيها عن أحوال المبدأ والمعاد. والمبحوث عنه في مسألتنا هذه أجنبيّ عن أحوال المبدأ والمعاد والعقائد الدينيّة ، فإنّ المبحوث عنه فيها جواز الاجتماع وعدمه أو سراية النهي إلى متعلّق الأمر وعدمه.

الثالث : أنّها من المبادئ الأحكاميّة. وهي ما يكون البحث فيه عن حال الحكم ولوازمه. ويبحث في مسألتنا هذه عن حال الأحكام من حيث إمكان اجتماع اثنين منها في شيء واحد وعدمه. وهذا ما اختاره الشيخ الأعظم الأنصاريّ ، ونسبه إلى العضديّ والشيخ البهائيّ ، فراجع مطارح الأنظار : ١٢٦.

وأورد عليه المحقّق الخوئيّ بأنّ المبادئ إمّا تصوّريّة ـ وهي عبارة عن تصوّر نفس الموضوع والمحمول بذاتها وذاتيّاتها ـ وإمّا تصديقيّة ـ وهي الّتي تكون مبدءا للتصديق بالنتيجة ، كالمسائل الاصوليّة بالقياس إلى المسائل الفقهيّة ـ ، ولا ثالث لهما. فإن كان المراد من المبادئ الأحكاميّة تصوّر نفس الموضوع والمحمول فهي من المبادئ التصوّريّة. وإن كان المراد ما يوجب التصديق بثبوت حكم أو نفيه فهي من المبادئ التصديقيّة لعلم الفقه. المحاضرات ٤ : ١٧٨ ـ ١٧٩.

الرابع : أنّها من المبادئ التصديقيّة لعلم الاصول ، لأنّ البحث في هذه المسألة صغرويّة ، ولا تقع في طريق الاستنباط بلا واسطة ضمّ كبرى اصوليّة حتّى تكون اصوليّة ؛ وفي الحقيقة أنّ البحث يرجع إلى البحث عمّا يقتضي وجود الموضوع لمسألة التعارض والتزاحم ، بأنّه على القول بالامتناع تكون المسألة من صغريات مسألة التعارض ، وبعد إعمال قواعد التعارض ينتج صحّة العبادة. هذا ما اختار المحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ٢ : ٤٠ وأجود التقريرات ١. ٣٣٣.

وأورد عليه السيّد الإمام الخمينيّ بما حاصله : أنّ كون بحث محقّقا لموضوع بحث آخر لا يوجب أن يكون من المبادئ التصديقيّة ، وبراهين إثبات وجود الموضوع ـ لو سلّم كونها من المبادئ ـ غير علل وجوده. مع أنّ في كون المسألة محقّقة لوجود الموضوع لمسألة التعارض نظرا ، لأنّ الموضوع في باب التعارض هو الخبران المختلفان ، والمناط في الاختلاف هو الفهم العرفيّ ، والجمع هناك عرفيّ ، لا عقليّ ؛ بخلافه في المقام ، فإنّ المسألة عقليّة صرفة ، فلا ربط بين البابين. مناهج الوصول ٢ : ١١٢ و ١١٧.

الخامس : أنّها أصوليّة. وهذا ما اختاره المصنّف رحمه‌الله وتبعه كثير من المتأخرين.

(١) أي : مجرّد وجود سائر الجهات لا يوجب كون هذه المسألة من سائر العلوم ، إذا كانت في المسألة جهة اخرى قويّة يمكن عقدها مع تلك الجهة من المسائل الاصوليّة.

۴۱۹۱