كذلك (١) إلّا أنّهما قابلان للوضع والرفع شرعا. فبدليل الرفع ـ ولو كان أصلا ـ يكشف أنّه ليس هناك أمر فعليّ بما يعتبر فيه المشكوك يجب الخروج عن عهدته عقلا ، بخلاف المقام ، فإنّه علم بثبوت الأمر الفعليّ (٢) ، كما عرفت (٣) ، فافهم.
المبحث السادس
[مقتضى إطلاق الصيغة هو الوجوب النفسيّ التعيينيّ العينيّ]
قضيّة إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيّا تعيينيّا عينيّا (٤) ، لكون كلّ واحد ممّا يقابلها يكون فيه تقيّد الوجوب وتضيّق دائرته (٥). فإذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة عليه ، فالحكمة تقتضي كونه مطلقا (٦) ، وجب هناك شيء آخر أو لا ،
__________________
(١) أي : واقعيّا.
(٢) وهو حكم العقل بلزوم تحصيل العلم بالفراغ.
(٣) قبل أسطر ، حيث قال : «فاعلم أنّه لا مجال هاهنا ...».
(٤) الواجب النفسيّ هو الواجب لنفسه لا لأجل واجب آخر ، كالصلاة اليوميّة. ويقابله الواجب الغيريّ ، كالوضوء.
والواجب التعيينيّ هو الواجب بلا واجب آخر يكون بديلا عنه في عرضه ، كالصلاة اليوميّة. ويقابله الواجب التخييريّ ، كخصال كفّارة الإفطار العمديّ في شهر رمضان.
والواجب العينيّ ما يتعلّق بالمكلّف بشخصه ولا يسقط بفعل الغير ، كالصوم. ويقابله الواجب الكفائيّ ، كصلاة الميّت.
وسيأتي توضيح بعض الأقسام إن شاء الله.
(٥) والأولى أن يقول : «لما في كلّ واحد من مقابلاتها من تقيّد الوجوب وتضيّق دائرته». بيان ذلك : أنّ كلّ واحد من الوجوب الغيريّ والتخييريّ والكفائيّ مقيّد بقيد وجوديّ. فالأوّل مقيّد بكونه منبعثا عن وجوب آخر ، والثاني مقيّد بكونه ذا عدل ، والثالث مقيّد بسقوطه بفعل الغير.
فالنفسيّة ليست إلّا عدم كون الوجوب منبعثا عن وجوب آخر ، والتعيينيّة هي عدم كون الوجوب ذا عدل ، والعينيّة ليست إلّا عدم سقوطه بفعل الغير. وعدم القرينة على القيود الوجوديّة دليل على عدمها.
(٦) وأورد عليه السيّد الإمام الخمينيّ بما حاصله : أنّ مقدّمات الحكمة لا تقتضي النفسيّة أو التعيينيّة أو العينيّة ، كما لا تقتضي مقابلاتها ، فإنّ النفسيّة والتعيينيّة والعينيّة مباينة مع مقابلاتها ، وكلّ منها يمتاز عن مقابله بقيد وجوديّ أو عدميّ ، فهي ومقابلاتها خصوصيّات ـ