ذكرناه ، فإنّه دقيق وبذلك حقيق.
فقد ظهر عدم حرمة الضدّ من جهة المقدّميّة.
وأمّا من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود في الحكم (١) ، فغايته أن لا يكون أحدهما فعلا محكوما بغير ما حكم به الآخر ، لا أن يكون محكوما بحكمه (٢).
وعدم خلوّ الواقعة عن الحكم فهو إنّما يكون بحسب الحكم الواقعيّ لا الفعليّ.
فلا حرمة للضدّ من هذه الجهة أيضا ، بل على ما هو عليه ـ لو لا الابتلاء بالمضادّة للواجب الفعليّ ـ من الحكم الواقعيّ (٣).
الأمر الثالث : [الضدّ العامّ ، والأقوال فيه]
أنّه قيل (٤) بدلالة الأمر بالشيء بالتضمّن على النهي عن الضدّ العامّ ـ بمعنى الترك ـ ، حيث إنّه يدلّ على الوجوب المركّب من طلب الفعل والمنع عن الترك.
والتحقيق : أنّه لا يكون الوجوب إلّا طلبا بسيطا ومرتبة وحيدة أكيدة من الطلب ،
__________________
(١) هذا هو المسلك الثاني في إثبات أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ.
ويسمّى : «مسلك التلازم».
وحاصله : أنّ وجود الضدّ ملازم لترك الضدّ الآخر ، والمتلازمان لا يمكن اختلافهما في الحكم بأن يكون أحدهما واجبا والآخر محرّما ، فإذا كان أحد الضدّين واجبا فلا محالة يكون ترك الآخر واجبا. مثلا : وجود الإزالة ملازم لعدم الصلاة ، والمتلازمان في الوجود متلازمان في الحكم ، فعدم الصلاة الملازم للإزالة الواجبة واجب ، ووجوب عدم الصلاة يقتضي النهي التحريميّ عن وجودها ، فالأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه.
(٢) وبتعبير أوضح : أنّ عدم جواز اختلاف المتلازمين في الحكم لا يستلزم توافقهما في الحكم ، بل هناك شقّ ثالث ، وهو خلوّ أحدهما من الحكم ، فإذا كان أحدهما خاليا والآخر واجبا لم يختلف المتلازمان في الحكم.
(٣) لا يخفى عليك : أنّه لو لا ابتلاء الضدّ بالمضادّة للواجب الفعليّ كان الضدّ محكوما بالحكم الواقعيّ الفعليّ ، لعدم المانع من فعليّته ، ومع ابتلائها بها محكومة بالوجوب الواقعيّ الإنشائيّ. فالأولى أن يقول : «بل على ما هو عليه ـ لو لا الابتلاء بالمضادّة للواجب الفعليّ ـ من الحكم الفعليّ» أو يقول : «بل محكوم بالحكم الإنشائيّ الّذي لو لا الابتلاء بالمضادّة لكان محكوما به فعلا».
(٤) والقائل صاحب المعالم في معالم الدين : ٦٤.