نعم ، يمكن أن يقال : إنّ كلّ ما يحتمل بدوا دخله في امتثال أمر وكان (١) ممّا تغفل عنه غالبا العامّة ، كان على الآمر بيانه ونصب قرينة على دخله واقعا ، وإلّا لأخلّ بما هو همّه وغرضه. أمّا إذا لم ينصب دلالة على دخله كشف عن عدم دخله. وبذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتميّز (٢) في الطاعة بالعبادة ، حيث ليس منهما عين ولا أثر في الأخبار والآثار ، وكانا ممّا تغفل عنه العامّة ، وإن احتمل اعتباره (٣) بعض الخاصّة (٤) ، فتدبّر جيّدا.
ثمّ إنّه لا أظنّك أن تتوهّم وتقول : «إنّ أدلّة البراءة الشرعيّة (٥) مقتضية لعدم الاعتبار ، وإن كان قضيّة الاشتغال عقلا هو الاعتبار (٦)» ؛ لوضوح أنّه لا بدّ في عمومها من شيء قابل للرفع والوضع شرعا ، وليس هاهنا ، فإنّ دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعيّ ، بل واقعيّ. ودخل الجزء والشرط فيه وإن كان
__________________
ـ وأمّا الثانية : فخالفه الأعلام الثلاثة ، فراجع نهاية الدراية ١ : ٢٣٤ ـ ٢٣٧ ، بدائع الأفكار (للمحقّق العراقيّ) ١ : ٢٣٢ ، فوائد الاصول ١ : ١٦٢.
وأمّا الرابعة : فهي الموافق للمشهور. وخالفه فيها المحقّق الاصفهانيّ ، فقال : «يمكن القول بالبراءة هنا ، وإن قلنا بالاحتياط في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين». نهاية الدراية ١ : ٢٤٤.
وأمّا الخامسة : فهي توافق ما رامه الشيخ الأعظم الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ٦١. ولكن خالفه المحقّق الحائريّ والأعلام الثلاثة والسيّدان العلمان. فراجع درر الفوائد ١ : ٦٨ نهاية الدراية ١ : ٢٤٤ ، فوائد الاصول ١ : ١٦٨ ، نهاية الأفكار ١ : ٢٠٢ ، المحاضرات ٢ : ١٩٣ ، مناهج الوصول ١ : ٢٧٨.
وعلى المتتبّع أن يرجع كلماتهم حتّى يظهر اختلافهم في هذا المقال تفصيلا وإطلاقا.
(١) هكذا في النسخة المطبوعة ـ بالطبع الحجريّ ـ المذيّلة بحاشية العلّامة المشكينيّ ، وهو الصحيح.
وفي بعض النسخ المخطوطة : «كلّ ما ربّما يحتمل بدوا دخله في الامتثال أمرا كان ...» ، وهو غلط.
(٢) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «التمييز».
(٣) أي : اعتبار الوجه والتمييز. والإفراد باعتبار رجوعه إلى «ما».
(٤) وهو بعض المتكلّمين والفقهاء. لاحظ جواهر الكلام ٩ : ١٦٠ ـ ١٦٣.
(٥) كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رفع ما لا يعلمون» و «الناس في سعة ما لا يعلمون».
(٦) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «وإن كانت قضيّة الاشتغال عقلا هي الاعتبار».