فرده الآخر (١). وقد حقّقنا في محلّه (٢) أنّه لا يجري الاستصحاب فيه ما لم يكن الحادث المشكوك من المراتب القويّة أو الضعيفة المتّصلة بالمرتفع بحيث عدّ عرفا ـ لو كان ـ أنّه باق ، لا أنّه أمر حادث غيره. ومن المعلوم أنّ كلّ واحد من الأحكام مع الآخر ـ عقلا وعرفا ـ من المباينات والمتضادّات غير الوجوب والاستحباب ، فإنّه وإن كان بينهما التفاوت بالمرتبة والشدّة والضعف عقلا إلّا أنّهما متباينان عرفا ، فلا مجال للاستصحاب إذا شكّ في تبدّل أحدهما بالآخر ، فإنّ حكم العرف ونظره يكون متّبعا في هذا الباب (٣).

__________________

ـ استصحاب الكلّيّ لا ينحصر في الشكّ في بقاء الكلّيّ مستندا إلى احتمال حدوث فرد مقارنا لارتفاع فرد آخر ، بل هو أحد أقسامه ، كما سيأتي إن شاء الله.

(١) وقال السيّد الإمام الخمينيّ : «الحقّ عدم جريانه ولو سلّمنا جريانه في القسم الثالث من الكلّيّ ، لأنّ من شرائط جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب موضوعا ذا أثر شرعيّ أو حكما مجعولا ـ كالوجوب والاستحباب ـ ، والجواز ليس كذلك ، لأنّ الجواز بالمعنى الأعمّ ما ينتزعه العقل من الجعل المتعلّق بالأحكام». انتهى كلامه ملخّصا ، فراجع مناهج الوصول ٢ : ٨٣.

(٢) في التنبيه الثالث من تنبيهات الاستصحاب.

(٣) وناقش فيه المحقّق الاصفهانيّ بما حاصله : أنّ المراد من الوجوب والاستحباب إن كان الإنشاء بداعي البعث المنبعث عن مصلحة ملزمة أو غير ملزمة فلا شبهة أنّهما متباينان عقلا وعرفا ، وإن كان المراد منهما الإرادة الحتميّة والندبيّة فهما مرتبتان من الإرادة ولا يكون كلّ منهما مغايرا للآخر ، لا عقلا ولا عرفا. فراجع نهاية الدراية ١ : ٤٩٠.

۲۹۶۱