وهو توهّم فاسد ، وذلك لأنّ المعاندة والمنافرة بين الشيئين لا تقتضي إلّا عدم اجتماعهما في التحقّق ، وحيث لا منافاة أصلا بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله ، بل بينهما كمال الملاءمة ، كان أحد العينين مع نقيض الآخر وما هو بديله في مرتبة واحدة من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدّم أحدهما على الآخر ، كما لا يخفى(١).
__________________
(١) هذا أوّل الوجوه الّتي ذكرها المصنّف في دفع توهّم مقدّميّة عدم الضدّ للضدّ الآخر.
وتوضيحه : أنّ المنافرة والمعاندة بين الضدّين انّما يقتضي عدم اجتماعهما في مقام التحقّق والوجود ، فكلّ منهما يمنع الآخر عن التحقّق ، ويستحيل اجتماعهما في الوجود في زمان واحد. وأمّا عدم أحدهما ووجود الآخر فلا منافاة بينهما ، بل هما في مرتبة واحدة من دون أن يكون في البين ما يقتضي التقدّم كي يكون عدم أحدهما متقدّما على وجود الآخر.
مثلا : البياض والسواد متضادّان ، ومقتضى مضادّتهما استحالة اجتماعهما في الوجود في زمان واحد. وأمّا وجود السواد وعدم البياض فلا منافاة بينهما ، بل بينهما كمال الملاءمة بحيث وجود السواد يستلزم عدم البياض بالضرورة ، فوجود السّواد وعدم البياض في مرتبة واحدة من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدّم عدم البياض على وجود السواد كي يكون عدم البياض من قبيل عدم المانع للسواد ليكون من مقدّمات وجوده.
وأورد عليه المحقّق الاصفهانيّ بأنّ غاية ما تقتضيه الملاءمة بين الضدّ ونقيضه هي المقارنة الزمانيّة بين الضدّ وعدم الآخر ، وهي لا تنافي التقدّم بالعلّيّة والطبع. نهاية الدراية ١ : ٤٢٥.
ثمّ إنّ السيّد الإمام الخمينيّ ـ بعد عدم ارتضائه بما ذكره المصنّف في دفع التوهّم ـ ذكر وجها آخر في دفعه ، ثمّ أجاب عنه بوجه دقيق :
أمّا الدفع ، فحاصله : أنّ نقيض أحد العينين يحمل على العين الآخر بالحمل الشائع ، فعدم البياض يحمل على السواد بالحمل الشائع ، لأنّ السواد لا يصدق على البياض ، ومع عدم صدقه لا بدّ من أن يصدق عليه نقيضه ، وإلّا ارتفع النقيضان. والصدق يقتضي الاتّحاد ، وهو ينافي التقدّم والتأخّر رتبة.
وأمّا الجواب عنه ، فحاصله : أنّ نقيض صدق البياض على السواد عدم صدقه عليه ـ على نحو السلب التحصيليّ ـ ، لا صدق عدمه عليه ـ بنحو الإيجاب العدوليّ ـ ، فالبياض وإن لم يصدق عليه أنّه سواد ، ولكن يصدق عليه أنّه ليس بسواد ـ بالسلب التحصيليّ ـ ، وهو نقيض الإيجاب ، لا صدق عدم السواد حتّى يلزم اتّحادهما في الوجود. مناهج الوصول ٢ : ١٠ ـ ١١.