وقد تفصّي عن الإشكال بوجهين آخرين :

أحدهما : ما ملخّصه : أنّ الحركات الخاصّة ربما لا تكون محصّلة لما هو المقصود منها من العنوان الّذي يكون بذاك العنوان مقدّمة وموقوفا عليها ، فلا بدّ في إتيانها بذاك العنوان من قصد أمرها ، لكونه (١) لا يدعو إلّا إلى ما هو الموقوف عليه ، فيكون عنوانا إجماليّا ومرآة لها (٢) ، فإتيان الطهارات عبادة وإطاعة لأمرها ليس لأجل أنّ أمرها المقدّميّ يقضي بالإتيان كذلك ، بل إنّما كان لأجل إحراز نفس العنوان الّذي يكون (٣) بذاك العنوان موقوفا عليها (٤).

__________________

ـ اجمالا ـ فيكون هو الداعي إلى العمل ، لا الأمر الغيريّ. وإمّا أن يكون مغفولا عنه رأسا فلم يتحقّق القصد إليه كي تتحقّق العباديّة ، لأنّ قوام العباديّة بقصد الأمر النفسيّ.

(١) أي : لكون أمرها.

(٢) أي : فيكون القصد الأمر الغيريّ عنوانا إجماليّا لتلك الحركات.

(٣) هكذا في النسخ. والصحيح «تكون» ، فإنّ الضمير المستتر فيه يرجع إلى الطهارات.

(٤) لا يخفى عليك : أنّ هذا الوجه ذكره الشيخ الأعظم الأنصاريّ ـ في كتاب الطهارة ٢ : ٥٥ ـ جوابا عن الإشكال الرابع ـ أعنى إشكال الدور ـ ، فهو لم يتفصّ به عن الإشكالات الثلاثة الّتي ذكرها المصنّف كي يقال : «وقد تفصّي عن الإشكال بهذا الوجه» ، بل انّما تفصّى الشيخ به عن إشكال الدور. نعم ، يمكن التفصّي به عنها كما تفصّى الشيخ به عن إشكال الدور.

ولا يخفى أيضا : أنّ ما ذكره المصنّف في تقريب كلام الشيخ غير تامّ ، فإنّ غاية ما يستفاد من التقريب المذكور أنّ الحركات المخصوصة من العناوين القصديّة ، فتقصد إجمالا بقصد امتثال الأمر الغيريّ. وأمّا أنّ هذا العناوين هل هي من العناوين الواقعيّة الراجحة في ذاتها أم لا؟ فلا يستفاد من التقريب المذكور.

وفي الجملة : فحاصل هذه الوجه أنّ الحركات المخصوصة معنونة بعناوين واقعيّة قصديّة راجحة في ذاتها ، فهي قطع النظر عن الأمر الغيرىّ معنونة بتلك العناوين ، وهو موجب لوقوعها بنحو العبادة ، غاية الأمر لمّا كانت من العناوين القصديّة وكانت مجهولة لدينا فلا بدّ في قصدها من قصد امتثال الأمر الغيريّ ، لأنّ الأمر الغيريّ لا يدعو إلّا إلى تلك الحركات المعنونة بها ، فيكون قصد الأمر الغيريّ طريقا إلى قصد ذلك العنوان.

وتندفع به جميع الإشكالات الثلاثة ، لأنّ عباديّتها ومقرّبيّتها وترتّب الثواب عليها مستندة إلى رجحانها الذاتيّ ، لتعنونها بعنوان راجح ، لا من جهة اقتضاء امتثال الأمر الغيريّ ، فلا محذور.

۲۹۶۱