مع أنّه لا يكاد يتعلّق البعث إلّا بأمر متأخّر عن زمان البعث ، ضرورة أنّ البعث إنّما يكون لإحداث الداعي للمكلّف إلى المكلّف به بأن يتصوّره بما يترتّب عليه من المثوبة (١) وعلى تركه من العقوبة ، ولا يكاد يكون هذا إلّا بعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخّر عنه بالزمان (٢) ، ولا يتفاوت طوله وقصره فيما هو ملاك الاستحالة والإمكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب (٣).

ولعمري ما ذكرناه واضح لا سترة عليه ، والإطناب إنّما هو لأجل رفع المغالطة الموقعة في أذهان بعض الطّلاب.

وربما اشكل على المعلّق أيضا بعدم القدرة على المكلّف به في حال البعث ، مع أنّها من الشرائط العامّة.

وفيه : أنّ الشرط (٤) إنّما هو القدرة على الواجب في زمانه ، لا في زمان الإيجاب والتكليف ، غاية الأمر يكون من باب الشرط المتأخّر ،

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ. والأولى أن يقول : «بما يترتّب على فعله من المثوبة».

(٢) والأولى أن يقول : «فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخّرا عنه بالزمان» كي يكون قوله : «متأخّرا عنه بالزمان» خبر كان التامّة ، أي : البعث إذا تعلّق بأمر فلا محالة يكون متأخّرا عنه.

(٣) وهذا هو الوجه الثالث الّذي تفصّى به المصنّف عن إشكال المحقّق النهاونديّ. وحاصله : منع صغرى القياس ـ أعني اشتراك الإرادتين في جميع الخصوصيّات والآثار ـ ، بل انفكاك المراد عن الإرادة التشريعيّة قهريّ ، لأنّ الطلب انّما يكون لإحداث الداعي في نفس المكلّف نحو المأمور به ، وحدوث الداعي يتوقّف على مقدّمات ـ كتصوّر العمل وتصوّر ما يترتّب عليه وغيرهما ـ ، وهذا يحتاج إلى زمان ولو قليلا ، فيكون البعث نحو العمل متأخّرا عنه دائما. وإذا جاز الانفكاك بينهما بفصل زمان قصير جاز الانفكاك بفصل زمان طويل.

وناقش فيه أيضا المحقّق الاصفهانيّ بما حاصله : أنّ الطلب انّما هو جعل ما يمكن أن يكون داعيا للمكلّف نحو الفعل عند انقياده. وعليه فلا يمكن تعلّق الطلب بالأمر الاستقباليّ ، إذ مع تماميّة جميع المقدّمات وانقياد المكلّف لأمر المولى لا يمكن انبعاثه نحو الفعل بهذا البعث ، فلا يتحقّق البعث بالأمر ولو بنحو الإمكان. نهاية الدراية ١ : ٣٤٨.

ولا يخفى : أنّ هذه المناقشة انّما تستقيم على مبناه.

(٤) أي : شرط التكليف.

۲۹۶۱