هذا كلّه إذا كان التقرّب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال.

وأمّا إذا كان بمعنى الإتيان بالفعل بداعي حسنه أو كونه ذا مصلحة ، فاعتباره في متعلّق الأمر وإن كان بمكان من الإمكان (١) إلّا أنّه غير معتبر فيه قطعا ، لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال الّذي عرفت عدم إمكان أخذه فيه بداهة (٢).

__________________

ـ أمّا الشقّ الأوّل : فلأنّ ذات الصلاة ـ مثلا ـ لها مصلحة ملزمة ، وللصلاة المأتي بها بداعي أمرها مصلحة ملزمة اخرى ، فبموافقة الأمر الأوّل تحصل المصلحة القائمة بذات الصلاة ويسقط ، ولكن حيث أنّ المصلحة القائمة بالمأتي به بداعي الامتثال الأمر الأوّل لازمة الاستيفاء فيبدّل الامتثال بامتثال آخر ويجب إعادة المأتيّ به بداعي الأمر الأوّل.

وأمّا الشقّ الثاني : فلأنّ الأمر الأوّل لا يسقط بمجرّد موافقته ، ولا يلزم لغويّة الأمر الثاني ، فإنّ لزوم الإتيان بقصد القربة إمّا من باب حكم العقل بلزوم الإتيان به بعنوانه ، وهو ممنوع ؛ أو من باب حكم العقل بلزوم الإتيان بما يحتمل دخله في الغرض ، وهو ممنوع أيضا ، لأنّه انّما يحكم بذلك فيما إذا لا يتمكّن الآمر من بيانه ولو بأمر آخر ، والمفروض أنّه يتمكّن من بيانه بالأمر الثاني. نهاية الدراية ١ : ٢٣٤ ـ ٢٣٧.

وأمّا المحقّق العراقيّ : فأورد على الشقّ الثاني بأنّ انتفاء قابليّة الأمر للداعويّة لا يستلزم امتناع ثبوته بعد تصوّر غرض آخر له ، كايضاح المأمور به للمكلّف ، فلا يكون الأمر الثاني لغوا. بدائع الأفكار ١ : ٢٣٢.

وأمّا المحقّق النائينيّ : فأورد على الشقّ الثاني بأنّ وظيفة العقل هي إدراك تعلّق إرادة الشارع بشيء وعدمه. وأمّا الآمريّة فليست من شئونه حتّى يكون شارعا في قبال الشارع ، فلا بدّ في حصول الغرض من تعدّد الأمر وكون الأمر الثاني داعيا إلى ما لا يدعو إليه الأمر الأوّل. وليس هذان الأمران عن ملاك يختصّ بكلّ واحد منهما حتّى يكون من قبيل الواجب في الواجب ، بل هناك ملاك واحد لا يمكن استيفاؤه بأمر واحد. ومن هنا اصطلحنا على الأمر الثاني ب «متمّم الجعل» ، ومعناه : تتميم الجعل الأوّلي الّذي لم يستوف تمام غرض المولى. أجود التقريرات ١ : ١١٦ ، وفوائد الاصول ١ : ١٦٢.

وبالجملة : فالأعلام ذهبوا إلى عدم الإشكال في أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر الثاني لو قلنا بتعدّد الأمر ، كما قال به الشيخ الأعظم الأنصاريّ.

(١) وخالفه المحقّق النائينيّ ، فذهب إلى امتناع أخذ سائر الدواعي القربيّة أيضا في متعلّق الأمر. راجع فوائد الاصول ١ : ٢٥١ ، أجود التقريرات ١ : ١٠٩.

(٢) وقد خالفه تلميذه المحقّق العراقيّ حيث ذهب في بدو الأمر إلى الامتناع ثمّ تفرّد بتحرير يفيد ـ بزعمه ـ إمكان أخذ قصد الامتثال في متعلّق الأمر. بدائع الأفكار ١ : ٢٣٢ ـ ٢٣٤. ـ

۲۹۶۱