إن قلت : نعم ، لكن هذا كلّه إذا كان اعتباره في المأمور به بأمر واحد ، وأمّا إذا كان بأمرين تعلّق أحدهما بذات الفعل ، وثانيهما بإتيانه بداعي أمره فلا محذور أصلا كما لا يخفى (١) ، فللآمر أن يتوسّل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده بلا شبهة (٢).

قلت : ـ مضافا إلى القطع بأنّه ليس في العبادات إلّا أمر واحد ، كغيرها من الواجبات والمستحبّات ، غاية الأمر يدور مدار الامتثال وجودا وعدما فيها المثوبات والعقوبات. بخلاف ما عداها ، فيدور فيه خصوص المثوبات ، وأمّا العقوبة فمترتّبة على ترك الطاعة ومطلق الموافقة ـ إنّ الأمر الأوّل إن كان يسقط بمجرّد موافقته ولو لم يقصد به الامتثال ـ كما هو قضيّة الأمر الثاني ـ فلا يبقى مجال لموافقة الثاني مع موافقة الأوّل بدون قصد امتثاله ، فلا يتوسّل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة ؛ وإن لم يكد يسقط بذلك ، فلا يكاد يكون له وجه إلّا عدم حصول غرضه بذلك من أمره ، لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله ، وإلّا لما كان موجبا لحدوثه ، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدّد الأمر ، لاستقلال العقل ـ مع عدم حصول غرض الآمر بمجرّد موافقة الأمر ـ بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه فيسقط أمره (٣).

__________________

ـ وإن اريد منه أنّه يلزم أن يكون الأمر المحرّك للمكلّف تكوينا محرّكا إلى محرّكيّة نفسه كذلك ، فهو ممنوع أيضا ؛ لأنّ الأمر لا يكون محرّكا أصلا ، بل ليس له شأن إلّا إنشاء البعث على موضوع خاصّ ، فإن كان العبد مطيعا للمولى لحصول أحد المبادئ المتقدّمة في نفسه ورأى أنّ إطاعته لا تتحقّق إلّا بإتيان الصلاة المتقيّدة ، فلا محالة يأتي بها كذلك ، وهو أمر ممكن». مناهج الوصول ١ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

(١) هكذا أفاد المحقّق الرشتيّ في بدائع الأفكار : ٣٣٥. زعما أنّه مراد الشيخ الأنصاريّ في التفصّي عن إشكال عباديّة الطهارات الثلاث. ولكن يأتي في مبحث مقدّمة الواجب أنّ الشيخ لم يلتزم بوجود الأمرين أصلا ، بل صرّح بأنّ الأمر بذات العمل مغن عن أمر آخر.

(٢) وفي بعض النسخ : «بلا منعة».

(٣) وقد استشكل فيه الأعلام الثلاثة :

أمّا المحقّق الاصفهانيّ : فأورد على كلا شقّي الترديد وادّعى امكان الالتزام بالشقّين من دون محذور : ـ

۲۹۶۱