إن قلت : على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى ، ولزم كون مثل كلمة «من» ولفظ «الابتداء» مترادفين (١) صحّ استعمال كلّ منهما في موضع الآخر ، وهكذا سائر الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانيها ، وهو باطل بالضرورة ، كما هو واضح.
قلت : الفرق بينهما إنّما هو في اختصاص كلّ منهما بوضع ، حيث إنّه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه ، والحرف ليراد منه معناه لا كذلك ، بل بما هو حالة لغيره ، كما مرّت الإشارة إليه غير مرّة. فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجبا لعدم جواز استعمال أحدهما في موضع الآخر وإن اتّفقا فيما له الوضع (٢). وقد عرفت بما لا مزيد عليه : أنّ نحو إرادة المعنى لا يكاد يمكن
__________________
ـ وأمّا المحقّق العراقيّ : فوافق المصنّف في الشقّ الأوّل ، ولكن لا بالمعنى المشهور ، بل بمعنى أنّ الموضوع له في الحروف ـ في كلّ صنف منها ـ عبارة عن الجامع بين أشخاص تلك الروابط. نهاية الأفكار ١ : ٥٣ ـ ٥٤.
وهذه الأقوال كلّها وقع مورد النقض والابرام بين الأعلام الثلاثة ومن تأخّر عنهم ، سيّما السيّد الامام الخمينيّ والسيّد الخوئيّ ، فإنّهما ـ بعد التأمّل فيما أفاده الأعلام الثلاثة ـ ذهبا إلى كون الوضع في الحروف عامّا والموضوع له خاصّا ، فراجع مناهج الوصول ١ : ٦٨ ـ ٨٥ ، والمحاضرات ١ : ٥٤ ـ ٨٢.
(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «مترادفا».
(٢) توضيحه : أنّه لا فرق بين الاسم والحرف في المدلول التصوّري الّذي وضع اللفظ بإزائه ، فإنّ المدلول التصوّريّ في الاسم والحرف ليس إلّا ذات المعنى ، وهو الموضوع له فيهما ، فكلمة «من» و «الابتداء» ـ مثلا ـ لا تدلّان بالدلالة التصوّريّة إلّا على ذات الابتداء العامّ. وإنّما الفرق بينهما في المدلول التصديقيّ ـ أي الّذى أراده الواضع في مقام استعمالهما ، وهو في الاسم ذاك المعنى بما هو هو وفي نفسه وفي الحرف نفس المعنى بما هو حالة لغيره ـ ، فالاختلاف بينهما في المدلول التصديقيّ يوجب عدم جواز استعمال أحدهما في موضع الآخر ، وإن اتّفقا في المدلول التصوّري الّذي وضعا فيه مشتركا.
ويظهر أنّ مراد المصنّف رحمهالله من قوله : «فى الوضع» هو المدلول التصديقيّ ، كما أنّ مراده من قوله : «فيما له الوضع» هو المدلول التصوّريّ.