وقد عرفت أنّ الطبيعة بما هي هي ليست إلّا هي ، لا يعقل أن يتعلّق بها طلب لتوجد أو تترك ، وأنّه لا بدّ في تعلّق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها فيلاحظ وجودها فيطلبه ويبعث إليه كي يكون ويصدر منه. هذا بناء على أصالة الوجود (١).
وأمّا بناء على أصالة الماهيّة (٢) فمتعلّق الطلب ليس هو الطبيعة بما هي أيضا ، بل بما هي بنفسها في الخارج ، فيطلبها كذلك (٣) لكي يجعلها بنفسها من الخارجيّات والأعيان الثابتات. لا بوجودها. كما كان الأمر بالعكس على أصالة الوجود.
وكيف كان فيلحظ الآمر ما هو المقصود من الماهيّة الخارجيّة أو الوجود فيطلبه ويبعث نحوه ، ليصدر منه ، ويكون ما لم يكن ، فافهم وتأمّل جيّدا (٤).
__________________
(١) وهو مذهب الحكماء المشّائين ومن تبعهم كصدر المتألّهين والحكيم السبزواريّ. فراجع التحصيل : ٢٨٤ ، الأسفار ١ : ٤٩ ، شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١٠.
(٢) وهذا مختار الشيخ الإشراقيّ. فراجع شرح حكمة الإشراق (كلام الماتن) : ١٨٥ ـ ١٩١.
(٣) أي : بما هي بنفسها في الخارج.
(٤) بقي شيء :
وهو أنّه هل يترتّب على البحث عن هذه المسألة ثمرة عمليّة أو لا؟
قد ذكر المحقّق النائينيّ أنّ الثمرة بين القولين تظهر في باب اجتماع الأمر والنهي. فعلى القول بتعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع يجوز اجتماع الأمر والنهي في الصلاة في الدار المغصوبة ـ مثلا ـ ، فإنّ متعلّق الأمر وجود طبيعة الصلاة من دون سريان الأمر إلى مشخّصاتها ولوازم وجودها من المكان والزمان وغيرهما ، ومتعلّق النهي أيضا وجود طبيعة التصرّف في مال الغير من دون سريان النهي إلى مشخّصاتها ولوازم وجودها من المكان والزمان وغيرهما. وعليه فتكون الصلاة من لوازم وجود التصرّف في مال الغير فلا يسري النهي إليها ، كما أنّ التصرّف من لوازم وجود الصلاة ولا يسري الأمر إليه. فإذا لا مناص من القول بالجواز هناك.
وأمّا على القول بتعلّق الأوامر والنواهي بالأفراد فالأمر تعلّق بالصلاة مع مشخّصاتها ، والمفروض أنّ من مشخّصاتها هو التصرّف في مال الغير ، فإذن يكون متعلّقا للأمر والحال أنّه متعلّق للنهي أيضا ، فيلزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد ، وهو محال. فلا مناص من القول بالامتناع في باب اجتماع الأمر والنهي. أجود التقريرات ١ : ٢١٢.
ولكن المصنّف أنكر وجود هذه الثمرة في مبحث اجتماع الأمر والنهي. وذلك لأنّه لا شكّ أنّ المجمع وجود واحد شخصيّ وإن كان له وجهان ، فإن كان تعدّد الوجه يجدي في رفع التناقض لكان يجدي ولو على القول بتعلّق الأوامر والنواهي بالأفراد ، والّا لما كان يجدي أصلا.