ثمّ إنّه لا أظنّ أن يلتزم القائل بالترتّب بما هو لازمه من الاستحقاق في صورة مخالفة الأمرين لعقوبتين ، ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدر عليه العبد. ولذا كان سيّدنا الأستاذ قدس‌سره (١) لا يلتزم به على ما هو ببالي ، وكنّا نورد به على الترتّب ، وكان بصدد تصحيحه(٢).

فقد ظهر أنّه لا وجه لصحّة العبادة مع مضادّتها لما هو أهمّ منها إلّا ملاك الأمر (٣).

نعم ، فيما إذا كانت موسّعة وكانت مزاحمة بالأهمّ ببعض الوقت ، لا في تمامه ، يمكن أن يقال : إنّه حيث كان الأمر بها (٤) على حاله ـ وإن صارت مضيّقة بخروج ما زاحمه الأهمّ من أفرادها من تحتها ـ أمكن أن يؤتى بما زوحم منها بداعي ذاك

__________________

(١) وهو المحقّق الميرزا الكبير الشيرازيّ.

(٢) فيتحصّل أنّ المصنّف ذهب إلى بطلان الترتّب تبعا لاستاذه الشيخ الأعظم الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ٥٦ ـ ٥٧.

وخالفه المحقّق النائينيّ ، فذهب إلى إمكان تصوير الأمر بالضدّ المهمّ بنحو الترتّب ، وبالغ في تنقيحه وتوضيحه بتقديم مقدّمات خمسة لا مجال لذكرها في المقام.

والمحقّق الاصفهانيّ تعرّض للمقدّمات الخمسة الّتي ذكرها المحقّق النائينيّ ، وناقش فيها كلّها ، ثمّ صحّح مسألة الترتّب وبرهن عليه ببيان آخر. وحاصله : أنّ الأمر بالضدّ المهمّ علّق على عصيان الأهمّ. ففي فرض الإتيان بالأهمّ وفعليّة تأثير الأمر به لا موضوع للأمر بالمهمّ ، فلا يتخيّل مزاحمته للأهمّ. وفي فرض الإتيان بالمهمّ وفعليّة تأثيره يستحيل مانعيّته عن فعليّة تأثير الأمر بالأهمّ ، لأنّ اقتضاء المهمّ منوط بعدم فعليّة تأثير الأمر بالأهمّ ، فكيف يمكن أن تكون فعليّة تأثيره اللاحقة لاقتضائه مانعة عن فعليّة تأثير الأهمّ؟! فلا يعقل أن يصل كلا الأمرين إلى مرحلة الفعليّة في التأثير في زمان واحد ، فلا تزاحم في التأثير الفعليّ ويصحّ الترتّب. راجع نهاية الدراية ١ : ٤٥٧ ـ ٤٧٢.

والسيّد الإمام الخمينيّ لم يرتض بما أفاده المحقّق النائينيّ ولا بما أفاده المحقّق الاصفهانيّ ، بل ناقش في كلامهما ، ووافق المصنّف في بطلان الترتّب ، ولكن صحّح تصوير الأمر بالضدّ المهمّ بنحو آخر دون التشبّث بالترتّب ، كما مرّ.

وإن شئت تمام ما أفادوه فراجع أجود التقريرات ١ : ٢٨٦ ـ ٢٩٩ ، نهاية الدراية ١ : ٤٥٧ ـ ٢٧٢ ، مناهج الوصول ٢ : ٣٠ ـ ٥٨.

(٣) وهو الرجحان والمحبوبيّة الذاتيّة.

(٤) أي : بالعبادة الموسّعة.

۲۹۶۱