لتوهّم توقّف أحد الضدّين على عدم الآخر إلّا توهّم مانعيّة الضدّ ـ كما أشرنا إليه ـ وصلوحه لها (١).
إن قلت : التمانع بين الضدّين كالنار على المنار ، بل كالشمس في رائعة النهار ، وكذا كون عدم المانع ممّا يتوقّف عليه ممّا لا يقبل الإنكار ، فليس ما ذكر إلّا شبهة في مقابل البديهة.
قلت : التمانع بمعنى التنافي والتعاند الموجب لاستحالة الاجتماع ممّا لا ريب
__________________
ـ عند ثبوت مقتضي وجوده هو الخصوصيّة الّتي فيه الموجبة للمنع عن اقتضاء مقتضيه ، كما هو الحال في كلّ مانع. وليست في الضدّ تلك الخصوصيّة. كيف؟! وقد عرفت أنّه لا يكاد يكون مانعا إلّا على وجه دائر. نعم ، انّما المانع عن الضدّ هو العلّة التامّة لضدّه ، لاقتضائه ما يعانده وينافيه فيكون عدمه كوجود ضدّه مستندا إليها ، فافهم. منه رحمهالله.
(١) وتوضيح كلامه : أنّ قوله : «والمنع عن صلوحه لذلك» إشارة إلى إيراد على بقاء محذور توقّف الشيء على نفسه. وبيانه يتفرّع على تقديم مقدّمات :
١ ـ إنّ المناط في صدق القضيّة الشرطيّة انّما هو ثبوت الملازمة بين التالي والمقدّم ، سواء كان طرفاها صادقين أو كاذبين أو مختلفين.
٢ ـ قد مرّ أنّ عدم أحد الضدّين يستند إلى وجود الضدّ الآخر لو ثبت المقتضي له. وهذا قضيّة شرطيّة ، تاليها استناد عدم أحدهما إلى وجود الآخر ، ومقدّمها ثبوت المقتضي لوجود الضدّ الآخر.
٣ ـ قد عرفت امتناع تحقّق المقتضي لأحد الضدّين مع وجود الضدّ الآخر. فالمقدّم في تلك القضيّة الشرطيّة ممنوع.
إذا عرفت هذه المقدّمات فنقول : إنّ وجود الضدّ لا يصلح لأن يتوقّف عليه عدم الضدّ الآخر كي يكون مانعا عن وجود الضدّ الآخر. وذلك لأنّ تحقّق المقتضي لوجود أحد الضدّين مع وجود الضدّ الآخر ممتنع ، ضرورة أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه ، فتوقّف عدم الضدّ على وجود الضدّ الموجود ممنوع. وهذا ينافي صدق القضيّة الشرطيّة ، فإنّ صدقها لا يقتضي صدق طرفيها.
وقوله : «مساوق لمنع مانعيّة الضدّ» جواب عن الإيراد المذكور. وحاصله : أنّ هذا القول يساوق نفي مانعيّة كلّ من الضدّين للآخر ، لأنّ المفروض أنّ وجود الضدّ الموجود لا يصلح أن يكون مانعا عن وجود الضدّ المعدوم ، ولازمه امكان اجتماع وجود الضدّين ، ومعه لا يكون عدم أحدهما مقدّمة لوجود الآخر أيضا ، كما لا يكون وجود أحدهما مقدّمة لعدم الآخر.