العقاب على عصيانه ومخالفته عقلا (١).
وأمّا استحقاقهما على امتثال الغيريّ ومخالفته : ففيه إشكال ، وإن كان التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته ومخالفته بما هو موافقته ومخالفة (٢) ، ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلّا لعقاب واحد أو لثواب كذلك ، فيما خالف الواجب ولم يأت بواحدة من مقدّماته على كثرتها ، أو وافقه وأتاه بما له من المقدّمات (٣).
نعم ، لا بأس باستحقاق العقوبة على المخالفة عند ترك المقدّمة ، وبزيادة المثوبة على الموافقة فيما لو أتى بالمقدّمات بما هي مقدّمات له من باب أنّه يصير حينئذ من أفضل الأعمال حيث صار أشقّها. وعليه ينزّل ما ورد في الأخبار من
__________________
(١) فإنّ العقل يحكم بأنّ امتثال الأمر النفسيّ طاعة ، فيترتّب على امتثاله الثواب بالاستحقاق أو التفضّل. ويحكم أيضا بأنّ مخالفته تمرّد وطغيان على المولى وخروج عن رسم العبوديّة ، فيستحقّ العقاب.
(٢) وخالفه المحقّق العراقيّ والسيّد الخوئيّ ، ووافقه المحقّقان : الاصفهانيّ والنائينيّ. فراجع نهاية الأفكار ١ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، المحاضرات ٢ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ، نهاية الدراية ١ : ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، فوائد الاصول ١ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(٣) لا يخفى : أنّه كان الأولى أن يقول : «ضرورة أنّ بناء العقلاء على عدم الاستحقاق ...». وذلك لأنّ ما ذكره ليس إلّا موافقا لبناء العرف والعقلاء. وأمّا العقل فلا يحكم بذلك ، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ المحقّق الاصفهانيّ قرّب عدم الاستحقاق على مخالفة الأمر الغيريّ وموافقته بوجه آخر برهانيّ. وحاصله : أنّه لا شكّ أنّ الوجوب الغيريّ في المقدّمة معلول لوجوب النفسيّ في ذي المقدّمة ، لعدم تعلّق الغرض به إلّا تبعا لتعلّقه بالأمر النفسيّ ، فلا محرّكيّة له إلّا بتبع محرّكيّة الأمر النفسيّ ، فيكون الانبعاث نحو امتثال الأمر الغيريّ تابعا للانبعاث نحو امتثال الأمر النفسيّ ، كما أنّ عدم الانبعاث عنه تابع لعدم الانبعاث عن الأمر النفسيّ. وعليه فلا استقلال للأمر الغيريّ في مقام الانبعاث وعدمه ، فلا يكون الانبعاث عنه موجبا للقرب ، ولا عدمه موجبا للبعد ، فلا يكون امتثاله موجبا للثواب ، ولا عدمه موجبا للعقاب. نهاية الدراية ١ : ٣٧٦.
والمحقّق النائينيّ أسقط أساس البحث عن استحقاق الثواب على امتثال الواجب الغيريّ بدعوى أنّ امتثال الواجب الغيريّ انّما يكون بعين امتثال ذي المقدّمة الّذي تولّد أمره منه ، فليس له امتثال بحيال ذاته حتّى يبحث عن استحقاق الثواب على امتثاله واستحقاق العقاب على عدم امتثاله. فوائد الاصول ١ : ٢٢٥.