بالمحرمات الواقعية في فرض الشك وليس بملاك نفسي ليلزم توسعة دائرة الحمى للمشتبهات بل تبقى الحمى للمحرمات البينة ويكون هذا التحذير من ألسنة إبراز اهتمام المولى بملاكاته الواقعية وإيجاب حفظها ، بل الوجه في عدم تطابق هذا اللسان والتقسيم مع مدعى الاخباري ان الاخباري يفترض ان حمى الله هو المحرمات الواقعية وان المشتبهات حول الحمى وحريمها فمن يرتكبها يوشك ان يقع في الحرام الواقعي وهو معنى وجوب الاحتياط في مورد احتمال الحرمة الواقعية ، بينما الحديث يدل على ان الحمى هي المحرمات البينة ، والمعاصي والمشتبهات حول الحمى إذا ارتكبها الإنسان يوشك ان يقع في الحمى أي في المعاصي والإثم أو فيما استبان على حد تعبير نقل البخاري وهذا مطلب صحيح على كل حال لأن ارتكاب الشبهة لو كان يؤدي إلى جرأة المكلف في اقتحام المعاصي والإثم وجب بحكم العقل اجتنابها مقدمة لترك الإثم والعصيان ، فتكون الرواية إرشادا إلى هذا الحكم العقلي.
ومنها ـ مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في مورد تعارض الخبرين ( انما الأمور ثلاثة ، امر بين رشده فمتبع ، وأمر بين غيه فمجتنب ، وامر مشكل يرد حكمه إلى الله ) ثم استشهد الإمام عليهالسلام في ذيلها بالحديث النبوي ( قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم ) (١).
ولا ينبغي الشك في ان التثليث المذكور أولا في كلام الإمام لا يمكن الاستدلال به على الاحتياط في الشبهة البدوية لأنه وارد في الخبرين اللذين أحدهما مجمع عليه أي من حيث الرواية دون الآخر فيفهم انه شاذ نادر ، ويكون المراد من الرد حينئذ عدم الاعتماد عليه في مقام أخذ الحكم الشرعي ، وهذا أمر صحيح متفق عليه بين الطرفين.
ومما يشهد على هذا المعنى في التثليث الأول في المقبولة التعبير بالاتباع فانه يناسب باب الروايات والدلالات ولا يناسب إضافته إلى الحرمة والحلية كحكمين واقعين ، بل لا معنى لإسناده إلى المشكل لأن الوارد فيها ( وأمر مشكل يرد حكمه إلى
__________________
(١) وسائل الشيعة ، باب ٩ من أبواب القاضي ، ج ١٨.