٥ ـ الدوران بين الأقل والأكثر في المحصل الشرعي :
بعد الفراغ عن ان الأصل في مورد الشك في التكليف غير المعلوم بعلم جامع لشرائط التنجيز يكون مجرى للبراءة ، وان الأصل عند الشك في الفراغ اليقيني ـ أو فاعلية التكليف ـ بعد الفراغ عن فعليته واشتغال الذّمّة به مجرى للاحتياط. وقع البحث في جريان البراءة أو الاحتياط في دوران المحصل الشرعي بين الأقل والأكثر ، والمراد بالمحصل الشرعي ما إذا كان المسبب امرا مجعولا شرعا ومترتبا على السبب الخارجي فشك في ذلك السبب كما إذا شك في ان الطهارة بناء على كونها حكما شرعيا لا امرا تكوينيا هل تترتب على الغسل مرة أو مرتين. والحق بذلك ما إذا كان المسبب تكوينيا الا ان سببه مما لا يتعين بفهم العرف بل يكشف عنه الشارع كما إذا افترضنا الطهارة حالة نورانية تكوينية كشف عنها الشارع.
وقد نسب إلى السيد الشيرازي الكبير ( قده ) القول بجريان البراءة ، وذهب المحقق النائيني ( قده ) إلى انه لا فرق في لزوم الاحتياط بين الشك في المحصل الشرعي وغيره وأثبت ذلك بوجوه ثلاثة تتضح بعد تقديم مقدمة حاصلها : ان جريان البراءة تتوقف على تمامية أركان ثلاثة :
الأول ـ الشك.
الثاني ـ كون المشكوك من المجعولات الشرعية بحيث يكون امر وضعه أو رفعه بيد الشارع.
الثالث ـ ان يكون في الرفع توسعة ومنة على المكلف.
وعلى ضوء ذلك يقال : بأنه لا معنى لجريان البراءة عند الشك في حصول الطهارة الواجبة في الصلاة مثلا بغسلة واحدة أو غسلتين ، وذلك لوجوه ثلاثة :
الوجه الأول ـ ان البراءة إذا أريد إجرائها عن أصل وجوب الطهارة في الصلاة فهو غير مشكوك فيه بل معلوم ، وإذا أريد إجرائها عن سببية الأكثر أي الغسلتين لها فهي أيضا معلومة إذ يعلم بحصولها بذلك. وإذا أريد إجرائها عن سببية الأقل أي الغسلة الواحدة لها فرفع ذلك بالبراءة يعني التضييق على المكلف ولزوم إتيانه بالأكثر وعدم الاقتصار على غسلة واحدة.