السلطنة حتى عند العقلاء لم يكن مجرد المنع ضررا ما لم تنضم تلك المئونة الزائدة المشار إليها ، وقد عرفت في المقام السابق عدم مساعدة الارتكاز العقلائي على التوسعة في السلطنة من دون افتراض تضرر المالك ضررا غير مندك في جانب ضرر الجار.
وامّا البحث الكبروي ، فقد أفاد المحقق النائيني ( قده ) ان القاعدة انما تجري بالنسبة إلى تصرف على المالك الضرري فتحرم عليه ذلك ولا تجري لنفي الضرر عليه ، لأن حرمة التصرف على المالك انما استفدناها واستخرجناها من نفس القاعدة فكيف يمكن نفيها بها من جديد ، فان القاعدة انما تكون حاكمة ورافعة للأحكام الأولية الثابتة بالأدلة الأخرى ولا تكون حاكمة على نفسها.
ثم نقض على ذلك بما يقال في باب حجية الخبر الواحد من أن القضية الحقيقية يمكن ان تشمل نفسها بعد ان كانت انحلالية.
فأجاب عن النقض ، بان هذا انما يصح فيما إذا لم تكن القضية المجعولة مسوقة مساق النّظر إلى الأحكام الأولية ، وامّا إذا كانت كذلك كما هو المفروض في دليل لا ضرر فهي تتقيد لا محالة بمقدار ما تنظر إليه ولا يمكن ان تكون ناظرة إلى نفسها فانه تهافت.
وفيه : ان هذا الكلام انما يكون له وجه إذا فرض ان ملاك الحكومة هو النّظر بنحو التخصيص لكل حكم من الأحكام الأولية ـ ومن هنا قيل بعدم جواز رفع أصل حكم ضرري بها ـ وامّا إذا كان يكفي في الحكومة النّظر إلى لوح التشريع والشريعة ككل ويكون نظرها توضيحيا وتفسيريا بأنها ليس فيها حكم ضرري لا تقييديا فلا محذور في شمول القاعدة للحكم الثابت بنفسها.
وإن شئت قلت : ان كلا من جواز التصرف وعدم جوازه حكم ضرري يكون مشمولا لإطلاق القاعدة فيقع التعارض بين إطلاقيها ، ولا يشترط في شمول القاعدة ان يكون الحكم المراد نفيه بها مفادا لإطلاق دليل في المرتبة السابقة ليقال بان ما هو مفاد لإطلاق دليل في المرتبة السابقة أحد الحكمين من الجواز والمنع لا كليهما (١).
__________________
(١) بل ولو فرض لزوم ذلك ، قلنا أيضا بأنه يكفي ان يكون مفادا لإطلاق دليل بنحو القضية الحقيقية لا الخارجية ، وهذا يصدق على ما يكون مفادا لإطلاق دليل القاعدة نفسها ، ولا يلزم منه تهافت في اللحاظ لأن القضية انحلالية.