وأيّا ما كان فالقاعدة لا إطلاق لها في نفسها في المقام ، إلاّ ان هذا يعني الرجوع بعد عدم شمول القاعدة إلى الأصول العملية المرخصة فيجوز للمالك حفر البالوعة في بيته ولو أدى إلى إضرار جدار جاره (١).
إلاّ ان الصحيح هو الرجوع إلى مدرك قاعدة السلطنة وهو السيرة العقلائية الممضاة شرعا ، ولا يبعد التفصيل عند العقلاء بين ما إذا كان المالك يتضرر بعدم حفر البالوعة في داره تضررا معتدا به وما إذا لم يتضرر فيجوز التصرف في الأول ولا يجوز في الثاني ، ولعل هذا هو المطابق مع فتوى المشهور أيضا.
واما المقام الثاني ـ فقد اعترض على التمسك بقاعدة لا ضرر لنفي سلطنة المالك في المقام بوجوه عديدة ، أهمها وجهان :
الأول ـ ان جريانها خلاف الامتنان والإرفاق على المالك.
وفيه : ما تقدم من ان المراد من امتنانية القاعدة انها إرفاق في حق من تجري بحقه وهو الجار في المقام ، وليس اللازم كونها إرفاقا بحق الآخرين ، نعم لا بد ان لا يكون في جريانها ضرر بحق الآخرين لدخوله في باب تعارض الضررين عندئذ.
الثاني ـ دعوى المعارضة بين جريانها بحق الجار لكونه متضررا وجريانها بحق المالك لأن منعه عن التصرف في داره ضرر عليه أيضا وهذا الوجه بحاجة إلى تمحيص.
والبحث عنه تارة في صغرى تعارض ضررين في المقام ، وأخرى في كبرى حكم هذا التعارض. اما البحث الصغروي فقد نوقش في ضررية مجرد منع المالك عن حفر بالوعة في داره ، نعم لو أدى ذلك إلى تضرر داره وخراب شيء منه كان المقام من تعارض الضررين.
وتحقيق هذه النقطة يرتبط بملاحظة دائرة الارتكاز العقلائي في باب سلطنة المالك وحقه في التصرف في أمواله فان كانت دائرة ذلك تعمّ ما إذا كان في تصرفه إضرارا بالآخرين كان منعه عن نفس هذا الحق ضررا عقلائيا عليه وإن منعنا عن سعة
__________________
(١) هذا إذا لم يكن هذا التصرف مصداقا لعنوان التصرف في مال الغير أو إتلاف مال الغير المحرم شرعا تكليفا ووضعها بأدلة لفظية مطلقة.