هذا كله في ما يتعلق بالحكم التكليفي لحفر بالوعة تضر ببئر الجار مثلا ، واما حكمه الوضعي أي ضمان خسارة البئر فهو ثابت كلما صدق عنوان الإتلاف حتى إذا جاز الحفر تكليفا لأن الجواز التكليفي لا يخرج الإتلاف عن موضوع الحكم بالضمان.
وذكر المحقق العراقي ( قده ) في المقام تفصيلا بين ما إذا كان الحفر يتلف عين مال الغير أو وصفا حقيقيا من أوصافه كما إذا أوجب قلة ماء البئر أو اختلاط مائه بالأوساخ فيضمن ، وما إذا لم يوجب شيئا من ذلك وانما أوجب التنفر الطبيعي النوعيّ الموجب لقلة مالية ماء البئر في السوق وهنا لا ضمان ، لأن مجرد فعل يوجب قلة مالية مال الغير في السوق لا يستوجب الضمان ولا الحرمة تكليفا كما إذا نافس تاجر تاجرا آخر في السوق بإصدار نفس البضاعة وبقيمة أقل فأوجب قلة مالية بضاعة التاجر الأول فانه لا يكون ضامنا ولا مرتكبا للحرام.
أقول : ان هذه المسألة لها عرض عريض في الفقه ، وهذا النقض يتمسك به عادة لنفي ضمان المالية في موارد عديدة منها المقام ، ومنها ما إذا غصب شخص مال الغير في وقت يرغب إليه في السوق وتكون قيمته عالية ثم أرجعه إليه في وقت لا يرغب إليه في السوق ـ كالعباءة الصيفية في الشتاء مثلا ـ فانهم قالوا لا يضمن ماليته لأن المالية لا تضمن ، ونقضوا بنفس النقض المتقدم من المحقق العراقي ( قده ).
وتفصيل البحث في ضمان المالية ليس هنا مجال طرحه ، وانما نشير هنا باختصار إلى نكتة واحدة وهي انه لا بد من التمييز بين نقصان المالية من جهة نقصان المنفعة الذاتيّة لشيء ـ وهي ما تسمى بالقيمة الاستعمالية ـ ونقصانها من جهة نقصان القيمة التبادلية ـ القيمة السوقية ـ والّذي يتأثر بقوانين العرض والطلب وليس منشأه دائما المنافرة الذاتيّة للشيء وإن كان أصل المنفعة الذاتيّة لا بد منها في ثبوت القيمة التبادلية.
فإذا كان النقصان في القيمة الاستعمالية والمنفعة الذاتيّة للشيء فهنا لا بد من القول بالضمان لأن هذه المنفعة صفة واقعية قائمة بالشيء كسائر الحيثيات والأوصاف القائمة به كسواده ونعومته وبهائه ونظافته ومنها كون الجو حارا يحتاج فيه