وتعليقنا على هذا الكلام ، امّا فيما يتعلق بالمقطع الثالث فما ذكره من عدم تغير معنى الفعل المتعدي عند دخوله في باب المفاعلة غير صحيح ، بل التحقيق تغير المعنى كما يتضح ذلك بملاحظة الأفعال التي يتغير مفعولها بعد تغير معناها بدخولها في باب المفاعلة كقولك طرحت الثوب وطارحت زيدا الثوب فالمفعول أصبح زيدا بعد ان كان هو الثوب ، وكأن الخلط نشأ من ملاحظة الأفعال التي لا يتغير مفعولها بعد دخولها في باب المفاعلة كضربت زيدا وضاربته فتخيل ان المعنى لا يتغير.

وامّا ما ذكره من ان الفرق بين صيغة المفاعلة وبين الثلاثي المجرد المتعدي بنفسه من ان المفاعلة موضوعة للتعدي الملحوظ مستقلا ، فان أريد به وضع المفاعلة لمفهوم التعدية فهو واضح الفساد لأنه مفهوم اسمي ولا يحتمل إرادته ذلك ، وإن أريد انها تدل على منشأ انتزاع التعدية فمنشؤه نفس معنى الفعل الّذي يدل عليه الثلاثي أيضا ، وإن أريد ـ كما يظهر من ذيل عبارته ـ ان المفاعلة تدل على نقصد الفاعل حين إصدار الفعل بلوغ الفعل إلى المفعول وتعديته إليه فقولك خدعه يدل على انه ألبس عليه الأمر ولا يستفاد منه كونه تلبيسا متقصدا بخلاف خادعه ، ففيه منع مساعدة العرف على ذلك خصوصا في بعض الموارد كقابلته فانه يصح ان يقال قابلته اتفاقا أو صادفته حيث ان المادة لا تنسجم مع التقصد والعمد.

وامّا ما أفاده من ان باب المفاعلة يفيد في حق الثلاثي اللازم ما يفيده حرف الجر والتعدية فهو بحسب الدقة خلط بين معنيين للتعدية :

الأول ـ التعدية الحقيقة التي تعني كون الفعل صدوريا ينتهي من فاعل إلى مفعول لا حلوليا ، أي يتقوم بنسبة ذات طرفين طرف فاعل وطرف آخر مفعول به لا ذات طرف واحد كما في الأفعال الحلولية.

الثاني ـ التعدية بالحرف والّذي لا يعني تغير معنى الفعل الحلولي إلى الصدوري فان هذا امر غير معقول في نفسه بل بمعنى تحصيص النسبة الحلولية أو المادة المنتسبة وتقييدها بالمجرور ، والتعدية الحاصلة في باب المفاعلة من النوع الأول لا الثاني ففرق كبير بين قولك جالست زيدا وقولك جلست إلى زيد من حيث ان جالست يعطي معنى متقوما بطرفين فاعل ومفعول ويكون صدوريا بخلاف جلست إلى زيد الّذي لا يعدو ان يكون تقييدا للجلوس بكونه إلى جنب زيد لا عمرو.

۵۲۴۱