وفي ضوء ما تقدم تتضح عدة نتائج في المقام :
منها ـ عدم تمامية ما أفاده المحقق الأصفهاني ( قده ) من أن باب المفاعلة لتعدية الأفعال اللازمة فهي بحكم حرف التعدية.
ومنها ـ ان ما يذكره النحاة من ان الفعل اللازم يتعدى بحرف الجر غير دقيق ، فان حرف الجر لا يعطي التعدية بل يعطي التحصيص الّذي قد تكون نتيجته نفس نتيجة التعدية خارجا وصدقا.
ومنها ـ ان ما يقال من ان معنى ذهب به هو معنى أذهبه غير سديد فان تقييد الذهاب بقيد ( به ) لا يغير معناه الأصلي وانما يعني انه ذهب ذهابا أصحب معه الآخر فيه بحيث كأنه كان تحت سلطانه وتبعيته ، وهذا هو المعنى البليغ الّذي قصد بنحو المجاز والكناية في قوله تعالى ( ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) (١).
ومنها ـ ان ما أفاده السيد الأستاذ من ان التعدي واللزوم امران تعبديان في اللغة وليسا داخلين في صميم معنى اللفظ ولهذا نجد أنهم قد يستعملون مادة واحدة تارة متعديا بنفسه وأخرى بالحرف كقولك أضره وأضر به. غير سديد ، فان معنى أضره غير معنى أضر به فان الضمير في الأول هو المفعول وطرف النسبة المتعدى إليه حقيقة بينما الضمير في أضر به قيد للمادة الصادرة من الفاعل وهذه صورة ذهنية أخرى وان كانت من حيث النتيجة مغنية عن ذكر المفعول به مرة أخرى.
ثم انه يرد على المحقق الأصفهاني ( قده ) القائل بان المفاعلة تفيد نفس معنى حرف الجر ، اننا نشاهد ان المفاعلة يختلف معنى الحرف الّذي يضاهيها من مادة إلى أخرى فكاشفته معناه كشف له وجالسته معناه جلست إليه وساير معناه سرت معه فبناء على ان الأوضاع للأوزان والهيئات نوعية لا شخصية يلزم تعدد الوضع للمفاعلة تارة بإزاء معنى اللام ، وأخرى بإزاء معنى إلى ، وثالثة بإزاء معنى مع وهكذا لأنها معان مختلفة متباينة اللهم إلاّ ان يدعى وضعها لمفهوم التعدية الاسمي وهو واضح البطلان.
واما المقطع الثاني من كلامه فما ذكره في تفسير كلام المشهور من دلالة المفاعلة على نسبتين طوليتين غير صحيح ، بل الّذي يستفاد من كلامهم ان المفاعلة وضعت
__________________
(١) البقرة : آية ١٧.