والسؤال عن الفتوى ولا المعرفة البسيطة فان العلم لغة وإن كان بمعنى الانكشاف ولكن بحسب المصطلح العرفي السائد اجتماعيا منذ عصر الأئمة وإلى يومنا هذا يطلق على مرتبة مخصوصة ومعمقة من المعرفة وليس كل انكشاف علما فتكون هذه الروايات ظاهرة في إرادة هذا المعنى من طلب العلم ، ويؤيد ذلك القرائن المنتشرة في متونها حيث ورد في بعضها المقارنة بين حال العالم والجاهل ، وذكر في بعضها فوائد العلم وشأن العالم وجلالته وان العلم يؤنس الإنسان في وحشته وغربته وهو السلاح على الأعداء والزين على الأخلاء إلى غير ذلك وهذا كله انما يناسب المعنى الّذي ذكرناه وهي وإن كانت ظاهرة في لزوم ذلك على كل مسلم الا انه بقرينة ما دل على سقوطه بقيام من به الكفاية به في كل زمان وبمثل آية النفر من الأدلة الدالة على عدم وجوب ذلك على كل الناس عينا بل كفاية تحمل هذه الطائفة على الوجوب الكفائي.
الطائفة الثانية ـ ما تأمر بالتفقه في الدين من قبيل رواية علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول ( تفقهوا في الدين فان من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي ان الله تعالى يقول في كتابه « ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم ... إلخ » ) (١) وأيضا عن مفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : ( عليكم بالتفقه في دين الله فلا تكونوا أعرابا فان من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزك له عمل ) (٢).
وهذا الطائفة أيضا تنظر إلى ما ذكرناه في معنى الطائفة السابقة لأن هذا هو المراد من التفقه في الدين ويشهد عليه استشهاد الإمام عليهالسلام بآية النفر والتعبير بان من لم يتفقه في الدين يكون أعرابيا أي متخلفا عن الهجرة إلى الإسلام وإلى العلم ، وعلى كل حال فهي أجنبية عن مسألة منجزية الاحتمال قبل الفحص.
الطائفة الثالثة ـ ما تأمر بالسؤال عن الأئمة عليهمالسلام والرجوع إليهم لأنهم هم أهل الذّكر كما ورد في تفسير هذه الآية ( نحن أهل الذّكر ) فتجب عليكم المسألة وهذه الطائفة لا بأس بالاستدلال بها في المقام لأنها متعرضة لذلك ، ولكن يأتي فيها الاعتراض
__________________
(١) أصول الكافي ، ج ١ ، كتاب فضل العلم ، باب فضل العلم ووجوب طلبه ، ح ٦.
(٢) نفس المصدر ، ح ٧.