بوجوب الفحص عن الأحكام وعدم العذر في غمض العين وإجراء البراءة من دون التحري عن الحكم أصلا بنفسه قرينة على عدم إرادة الإطلاق من أدلة البراءة لما قبل الفحص بل هو كالقرينة المتصلة المانعة عن انعقاد أصل الإطلاق (١).
وفيه : ان حكم العقل هذا وإن كان مسلما الا انه على ما تقدم حكم تعليقي يكون ورود الترخيص والاذن الشرعي رافعا لموضوعه فكيف يعقل جعل مثل هذا الحكم التعليقي العقل مانعا عن الإطلاق ، نعم يمكن ان يكون المقيد هو الارتكاز العقلائي الّذي أشرنا إليه.
الوجه الخامس ـ ان يقال بان دليل البراءة مقيد بعدم قيام أمارة معتبرة على خلافها وقبل الفحص يكون التمسك بالطلاق دليل البراءة تمسكا بالعامّ في الشبهة المصداقية لمخصصه بناء على ان الحجة مانع عن البراءة بوجودها الواقعي وان الأحكام الظاهرية متنافية بوجوداتها الواقعية كما هو الصحيح والمختار.
ولا يقال ـ ان مقتضى ذلك عدم إمكان التمسك بالبراءة حتى بعد الفحص لاحتمال وجود حجة إلزامية واقعا ولم تصل إلينا.
لأنه يقال ـ لا يستفاد من الأدلة على حجية خبر الثقة أو الظهور حجية خبر أو ظهور ليس في معرض الوصول لأن مهم الدليل عليها السيرة وهي قاصرة عن إثبات ذلك.
الا ان هذا الوجه غير تام ، فانه يمكن إجراء البراءة الطولية بلحاظ الشبهة الموضوعية للأمارة أو إجراء استصحاب عدمها ولا منافاة بين مفاد هذا الأصل الموضوعي والحجية الظاهرية للأمارة المشكوكة على تقدير ثبوتها لأن نسبته إليها كنسبة الحكم الظاهري إلى الحكم الواقعي وهو يؤمن عن الواقع في هذه المرتبة. نعم لو أبرز العلم الإجمالي بوجود اخبار معتبرة على الإلزام في مجموع الشبهات قبل الفحص لم يجر الأصل الموضوعي الا ان هذا رجوع إلى وجه آخر وهو إبراز المانع عن التمسك بإطلاق أدلة البراءة لما قبل الفحص ، وسوف يأتي بعض الفروق بين هذه الصياغة للعلم الإجمالي وما أبرزوه من العلم الإجمالي بالإلزام.
الوجه السادس ـ دعوى وجود المانع عن التمسك بإطلاق أدلة البراءة للشبهة قبل
__________________
(١) مصباح الأصول ، ج ٢ ، ص ٤٩٣.