العلم المتأخر إن أريد تنجيزه في الرتبة المتقدمة فهو محال لاستحالة تقدم الأثر على المؤثر ، وان أريد تنجيزه في رتبته فالمفروض تنجز أحد طرفيه في هذه الرتبة فلا يصلح للتنجز مرة أخرى.

الا ان هذا الوجه أيضا غير تام ، وذلك لأنه يرد عليه :

أولا ـ ان العلم الإجمالي الثاني وان كان في طول العلم الأول ولكنه في عرض أثره ، فان العلم الأول له أثران ومعلولان أحدهما العلم الثاني والآخر تنجيز العلم الأول وتنجيز العلم الثاني ليس في طول تنجيز العلم الأول بل في طول نفس العلمين الا بقانون ان ما مع المتقدم متقدم الّذي تقدم مرارا بطلانه ، وعليه فالتنجيزان في رتبة واحدة لا في مرتبتين.

وثانيا ـ عدم الطولية بين العلمين المنجزين حقيقة فان العلم الإجمالي المنجز في المقام ليس هو العلم بالنجاسة بل العلم بالتكليف أي الحرمة التكليفية أو الوضعيّة ومن الواضح انه لا طولية بين العلم بحرمة استعمال أحد الإناءين والعلم بحرمة استعمال الملاقي لأحدهما أو الآخر.

وثالثا ـ ما تقدم في بحث سابق من ان هذا انما يتم إذا كانت نسبة التنجز إلى العلم نسبة المعلول التكويني إلى علته التكوينية أي امرا رتبيا وليس الأمر كذلك بل هو حكم وأمر زماني على ما مضى توضيحه وتفصيله في بحث سابق ، فما ذكره الأستاذ من الاعتراض على الوجه السابق يرد هنا (١).

ثم ان هذا الوجه يمتاز على الوجهين السابقين في استلزامه سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية بنحو بحيث يجري في الملاقي الأصل المؤمن العقلي أيضا أعني البراءة العقلية على القول بها بخلاف الوجهين السابقين كما لا يخفى وجه.

الوجه الرابع ـ ما ذكره المحقق النائيني ( قده ) واصطلح عليه بالانحلال الحقيقي وهو

__________________

(١) لا يقال ـ انما يتم هذا لو كانت منجزية العلم حكما شرعيا وليس كذلك لأنها حكم عقلي عملي يدركه العقل على حد إدراك الواقعيات الأخرى ـ بناء على الصحيح والمختار في مدركات العقل العملي ـ فيكون أمرا رتبيا فانه يقال ـ ان حكم العقلي بالمنجزية وإن كان امرا واقعيا الا انه ليس من لوح الوجود ليقال بان الموجود في رتبة سابقة لا يعقل ان يوجد من جديد ، بل روحه عبارة عن إدراك العقل لقبح المخالفة واستحقاق العقوبة ولا محذور في ان يكون فعل قبيحا في المرتبة السابقة بعنوان وقبيحا في مرتبة لا حقة بعنوان آخر أيضا فتجتمع حيثيتان طوليتان للقبح فيه.

۵۲۴۱