البراءة العقلية ولا الأصول المرخصة الشرعية ، اما الأول فواضح واما الثاني فللمعارضة ، وتوضيح ذلك : ان الأصول المرخصة في المقام على قسمين : قسم منها يؤمن عن جميع الأحكام الثلاثة أعني حرمة شرب الملاقي والملاقى وحرمة التوضي بالملاقي أو الصلاة فيه كأصالة الطهارة الجارية في الملاقى ـ بالفتح ـ وقسم يؤمن عن الحرمة الوضعيّة للملاقي كأصالة الطهارة في الملاقي ، اما القسم الأول فهو ساقط بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر العلم الإجمالي ولو فرض الطرف الآخر من قبيل الدرهم لأنه قد عرفت بأنه يوجد أثر بالفعل لنجاسة ذلك الدرهم وهو حرمة التوضي بملاقيه أو لبسه في الصلاة ومنه يعرف وجه التعارض بين استصحابي الكرية في المثال المتقدم.
والقسم الثاني أيضا يسقط بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر للعلم إجمالا من أول الأمر بالحرمة الوضعيّة في الملاقى قبل تحقق الملاقاة أو حرمة شرب الآخر أو لبسه في الصلاة بل حتى إذا كان مثل الدرهم لفعلية حرمة ملاقيه الوضعيّة.
ومن هنا ظهر انه يحرم الوضوء بالملاقي والصلاة فيه حتى إذا كانت الملاقاة بعد خروج الطرف الآخر عن محل الابتلاء فلم يتشكل العلم الإجمالي الثاني الّذي سوف يأتي انه منجز وذلك لأن هذا الحكم تنجز بمجرد حصول العلم الإجمالي الأول.
نعم إذا لم يكن للملاقي حرمة وضعية كما إذا كان مضافا أو لاحظنا حرمة شربه بالخصوص فلا تتنجز بمجرد العلم الإجمالي الأول. فلو لاقى أحد الإناءين بعد خروج الآخر عن محل الابتلاء جاز شربه ولم يجز الوضوء به لعدم تنجز حرمة شربه ، لا بالعلم الأول لأن معلومه ليس تمام الموضوع لهذه الحرمة ، ولا الثاني لخروج أحد طرفيه عن محل الابتلاء قبل حصوله. الا ان هذا مشروط بكون الملاقاة قبل خروج الطرف الآخر عن محل الابتلاء والا كانت حرمته أو حرمة ملاقيه الوضعيّة الفعلية من أول الأمر طرفا للعلم الإجمالي مع حرمة شرب الملاقي.
لا يقال : المعارضة فرع فعلية جريان الأصل المؤمن في نفسه ، وأصالة الطهارة في الملاقي انما تجري بعد تحققه لا قبله ففي الموارد التي يقال فيها بالمعارضة بين أصالة الطهارة في الملاقي مع أصالة الطهارة في الطرف الآخر أو في ملاقيه لا بد من وجود الملاقاة خارجا لاشتراط فعلية جريان الأصل المرخص بذلك ولا يكفي الوجود التقديري للملاقى إذ لا يحرز تحقق الملاقاة من أول الأمر ليكون من العلم الإجمالي