ثمّ انَّ هنا تحفّظات للقول بالجواز لا بدَّ من التنبيه عليها :

التحفّظ الأول : عدم جواز الاجتماع إِذا كان الواجب عباديّاً لا باعتبار لزوم غائلة التضاد بل باعتبار عدم إمكان التقرّب ، فانَّ الفرد إذا كان مبغوضاً للمولى فلا يمكن التقرّب به فانَّ الإتيان بالمبغوض مبعد عن المولى وليس مقرباً له ومعه لا يقع الفرد مصداقاً للواجب لاشتراط القربة فيه.

ويشترط في هذا التحفّظ أَنْ يكون النهي واصلاً فمع الجهل به يمكن التقرّب ويقع المجمع مصداقاً للواجب ، وهذا أحد الفروق والثمرات بين القول بالامتناع والقول بالجواز فانَّه على الأول يقع العمل باطلاً حتى مع الجهل بالنهي بخلافه على الثاني ، وسوف يأتي مزيد تعرّض لثمرات القولين في تنبيهات المسألة.

التحفظ الثاني : إنَّ تعدد العنوان انَّما يشفع للجواز فيما إِذا كان العنوانان حقيقيين ـ سواءً كانا ماهويين أو انتزاعيين ـ لا ما إِذا كانا من العناوين التي ينشئها العقل كعنوان أحدهما أو واحد منهما ، فانَّ هذه العناوين ليست إِلاّ رموزاً يشير بها الذهن إلى الخارج لا أكثر ، فلو أمر بأحد الخصال الثلاث لم يمكن أَنْ ينهي عن أحدهما بالخصوص ـ كالعتق مثلاً ـ لأنَّ معروض الأمر والحبّ سوف يكون واقع الخصال بنحو التخيير

__________________

لخطاب الأمر والنهي في مورد الاجتماع ، إذ يمكن ثبوتهما غاية الأمر لا يستكشف من مدلوليهما الالتزامي أكثر من الملاك أي المصلحة والمفسدة ، وأي محذور فيه بعد أَنْ كان ذلك مدلولاً التزاميّاً تصديقيّاً؟ خصوصاً وانَّ خطابات شارعنا الأقدس تنشأ عن مصالح ومفاسد ترجع إلى العباد لا إلى المولى نفسه ورغباته أو ميوله.

الثاني ـ اننا لو ميزنا بين الحبّ وبين الإرادة التشريعية بمعنى التحريك والدفع المولوي نحو الفعل وجعلنا هذا هو روح الحكم وحقيقته سواءً أبرزه بصيغة الاعتبار والإنشاء أو الاخبار ، وقلنا برجوع التخيير العقلي إلى الشرعي بلحاظ روح الحكم أي إرادة المولى التشريعيّة أو لزوم الترخيص في تطبيق الجامع على الفرد من الأمر به أو لزوم التهافت واجتماع الضدّين في اللحاظ. فالمحذور أعني التضاد باقٍ على حاله ، لأنَّ المولى لا يمكنه أَنْ يدفع المكلّف نحو الصلاة في الحمّام مثلاً ويمنعه عنها في ذات الوقت ، بل امَّا أَنْ يدفعه إليها أو يمنعه عنها فإذا ثبت انَّه يمنعه عنها تقيّد دفعه وتحريكه بغيرها من أفراد الطبيعة لا محالة.

وامّا تحقق المصلحة بالفرد المحرم أيضا فهذا وإنْ كان ممكناً ثبوتاً وموجباً لسقوط الأمر وعدم عقاب المكلَّف بتركه لسائر الأفراد إِلاّ انَّه لا يبرر الأمر بالجامع المنطبق على الفرد المحرم إذا كان روح الأمر وحقيقته الدفع والتحريك المولوي لا مجرد الملاك والمصلحة أو المحبوبيّة ولو الشأنية المبرزة بالأمر ، فيتعيّن للمولى إذا فرض اشتمال الفرد المحرم على مصلحة الواجب أَنْ يأخذ عدمه قيداً في موضوع الإرادة كما لو تحققت المصلحة بفعل الغير أو من نفسها لا أَنْ يأمر به فانه محال. ومنه يظهر ان ما أفيد من انَّ المولى يمكنه انْ يبقي أمره في الصورتين على الجامع ولكن لا يكشف عن المحبوبيّة التامة بل الناقصة أو لمجرد المصلحة بنفسه يشكل دليلاً على انَّ حقيقة الحكم وروحه ليست المحبوبيّة والمبغوضيّة بل التصدّي والتحريك المولوي المعبّر عنه بالإرادة والكراهة التشريعيتين المضاهيتين للإرادة والكراهة التكوينيتين وحينئذ لا بدَّ من ملاحظة التضاد والتمانع بلحاظ هذا المركز كما ذكرنا لا المحبوبيّة والمبغوضيّة.

۴۵۵۱