وهكذا نستطيع أَن نخرج بصياغة فنية لتخريج حجية العام في غير الخارج بالتخصيص على إجماله ، وقد عرفت انَّ المشكلة صياغية فنية وليست عملية إذ لا إشكال عندنا في انَّ السيرة العملية العقلائية قائمة على حجية العام في نفي التخصيص الزائد على المقدار المعلوم بالإجمال سواء كان له تعين واقعي أم لا.
ثم انَّ من تطبيقات هذه الفكرة ما إذا علمنا بنجاسة أحد الثوبين أو الترابين واحتملنا نجاسة الاخر ، فانَّ دليل كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر مقيد بمقتضى مخصص لبيّ متصل أو منفصل بعدم إمكان الترخيص في المخالفة العملية القطعية فلا يمكن أَنْ يشمل كلا طرفي العلم الإجمالي وامَّا شموله لغير ما علم إجمالاً بنجاسته مع احتمال كونه غير متعين في الواقع ـ كما لو فرض نجاستهما معاً من دون مائز ثبوتي ـ فمبنيٌّ على ما ذكرناه من إمكان التمسك بالعامّ لنفي التخصيص الزائد ، إذ المخصص العقلي أو العقلائي المذكور لا يقتضي أكثر من عدم إمكان اجتماع الموضوعين معاً تحت دليل الأصل وامَّا شموله لأحدهما فلا محذور فيه.
وأثر التمسك بدليل الأصل في غير المعلوم بالإجمال مع كونه متكفلاً لحكم ترخيصي جواز تكرار الصلاة بهما مرتين حيث يحرز بالتعبد الطهارة الظاهرية وهذا بخلاف ما إذا قيل بعدم جواز التمسك بالعامّ في ذلك.
الفرع الثالث ـ ما إذا كان المخصص المجمل منفصلاً دائراً بين الأقل والأكثر كما إذا ورد ( أكرم كل فقير ) وورد في دليل منفصل ( لا يجب إكرام فساق الفقراء ) مع تردد مفهوم الفاسق بين مطلق مرتكب الذنب وبين خصوص من ارتكب الكبيرة.
__________________
والآخر كما انها قد تكون مقرونة بأمور واقعية أخرى من قبيل صدق مضمونه أيضاً وتحققه واقعاً إِلاَّ انه من الواضح ان الحجية المجعولة عقلائياً أو شرعاً على الكواشف لا تجعل لها مقيدة بمثل هذه القيود الواقعية المرتبطة بالمدلول المنكشف من حيث صدقه أو كذب ضده فتمامية مقام الإثبات عقلائياً محل تأمل وإِلاَّ فكان ينبغي المصير إليه في تمام موارد التعارض بين إطلاقي دليلين بملاك العلم الإجمالي كما إذا علم إجمالاً بتخصيص أحدهما ـ كما إذا جرى استصحاب الطهارة في طرف وأصالة الطهارة في طرف اخر مثلاً ـ بل وفي موارد التعارض من باب التنافي بين مدلوليهما بنحو العموم من وجه فيما إذا كان كلاهما يتضمن حكماً إلزامياً ويظهر اثره العملي في موارد تعدد الواقعة مع انه من البعيد الالتزام بذلك فقهياً بل ذهب المشهور إلى عدم نفي الثالث في موارد التعارض ، نعم في خصوص الأصول العملية يمكن إجرائها في عنوان غير المعلوم بالإجمال لأن موضوع الأصل هو الشك ومع وجود عنوان إجمالي يتحقق فرد ثالث للشك يكون موضوعاً مستقلاً لدليل الأصل غير الشك المتعلق بالعنوانين التفصيليين.