وحينئذ إذا أمكننا أَنْ نثبت عدم صحة الاحتمال الأول وتعين الاحتمال الثاني فلا محالة يثبت صحة مبنى المشهور في قبال مبنى المحقق الأصفهاني ( قده ) وتوضيح عدم صحة الاحتمال الأول يكون ببيان امرين :
الأول ـ انَّ جملة الشرط لها مدلول تصديقي وهذا شيء اعترف به نفس المحقق الأصفهاني ( قده ) أيضاً ، فانه يقول بأنَّ الأداة تفيد انَّ مدخولها واقع موقع الفرض والتقدير ، ومقصودة ( قده ) انها تكشف عن ثبوت الفرض والتقدير في ذهن المتكلم وليس مقصوده انها تدل على مفهوم الفرض بنحو الدلالة التصورية.
الثاني ـ انَّ المدلول التصديقي لا يكاد يثبت إلاّ مع النسبة التامة دون الناقصة ، وهذا شيء فرغنا عنه في بحث الفرق بين النسبة التامة والنسبة الناقصة.
اذن النسبة في جملة الشرط حتى بعد دخول الأداة تكون تامة وهذا يعني صحة الاحتمال الثاني دون الأول ، فيتعين مبنى المشهور لا محالة القائل بأنَّ الأداة موضوعة للربط بين الجملتين لا لإفادة انَّ مدخولها واقع موقع الفرض والتقدير. هذا مضافا إلى انَّ الوجدان قاض بذلك في اللغة العربية وأظن انه في بقية اللغات أيضا كذلك.
المرحلة الثانية ـ بعد انَّ اتضح انَّ أداة الشرط تدل على الربط بين الشرط والجزاء لا بدَّ وأَنْ نتكلم في انها تدل على الربط بين المدلولين التصوريين للشرط والجزاء أو تدل على الربط بين المدلولين التصديقين لهما (١).
__________________
وأطرافها لا بدَّ وأَنْ تكون مفاهيم إفرادية لا نسب تامة حقيقية ، بل النسب الناقصة خلف مقصود المشهور إذ المفروض انَّ نسبة الجزاء إلى الشرط نسبة تامة يصح السكوت عليها ولو أُريد من الربط النسبة التامة فنحن لا نتعقل نسبة تامة بين نسبتين إلاّ الفرض والتقدير ، أي تكون إحداهما تحديداً لوعاء صدق الأخرى إذ لا يعقل التصادق بين نسبتين لأنهما متعددتان ذاتاً وخارجاً وانما التصادق بين مفهومين يتحدان ويتصادقان خارجاً في وجود واحد ولهذا كانت النسبة التامة وعائها وموطنها الحقيقي الذهن لا الخارج.
وامّا التلازم والارتباط والالتصاق فكل ذلك معاني خارجية إذا كانت نسبة فهي تحليلية وناقصة على ما حققناه في بحث النسب.
(١) هذا التعبير لا بدَّ وأَنْ يكون مسامحة إذ لا يمكن أَنْ يوجد للجملة الواحدة شرطية كانت أم حملية إلاّ مدلول تصديقي واحد لا مدلولان تصديقيان ، وفي الشرطية المدلول التصديقي امّا أَنْ يكون بإزاء جملة الجزاء أو بإزاء نفس الشرطية والتعليق بين الجزاء والشرط فيفرغ حينئذ كل من الجزاء والشرط عن مدلولهما التصديقي.