في ذلك بين باب الأوامر والنواهي وامَّا الاستغراقية أو البدلية فبحاجة إلى نكتة أخرى على النحو الّذي شرحناه.
الجهة الثالثة : انَّه إِذا فرضنا وحدة النهي وعدم انحلاليته فصار مفاد لا تشرب ثبوت حرمة واحدة على حدّ الأمر بالطبيعة ، مع ذلك سوف يبدو لنا فرق بين الأمر والنهي غير ما كنّا بصدده في الجهة السابقة ـ وهو الانحلال إلى عدّة تكاليف ـ فانَّه وإِنْ لم يكن فرق بينهما من حيث السقوط بالعصيان إِلاَّ انَّه يبقى بينهما فرق في كيفيّة الامتثال فانَّ الأمر يمتثل بإتيان فرد من أفراد الطبيعة ولا يكون عصيانه إلاّ بأَنْ يترك تمام أفرادها وامَّا النهي فالتحريم الواحد انَّما يمتثل باجتناب تمام أفراد الطبيعة ولا يكفي اجتناب بعض أفرادها ، وهذه ليست دلالة لفظية بل من جهة حكم العقل بأنَّ الطبيعة الواحدة مفهوماً لا تنعدم إلاّ بانعدام تمام أفرادها ولكنها توجد بوجود فرد واحد ، والمطلوب في طرف الأمر هو الإيجاد فيكون بواحد بينهما المطلوب في طرف النهي الإعدام فلا يكون إِلاّ بانعدام الجميع.
وبما ذكرناه من التمييز بين هذا الفارق وبين الفارق في الجهة السابقة اتّضحت جملة من المغالطات في كلمات المحقّقين من أهمّها ما وقع في تقريرات المحقّق العراقي ( قده ) من طرح المشكلة ابتداءً بما ذكرناه في الجهة السابقة من بقاء النهي بعد العصيان بينما لا يبقى الأمر بعد العصيان وجعل جوابها الكلام المشهور أي ربطها بالفارق العقلي في كيفية الامتثال الّذي قلناه في هذه الجهة ، مع انَّ هذا المطلب لا دخل له في دفع تلك المشكلة وجوابها هو ما قلناه في تلك الجهة من انحلالية النهي وبدلية الأمر.
وأيّاً ما كان فالبحث هنا عن الفارق المذكور بين كيفيّة امتثال الأمر وكيفية امتثال النهي وانَّه هل صحيح ما ذكر من حكم العقل في كيفية وجود الطبيعة وعدمها؟ حيث انَّ المحققين المتأخرين أنكروا ذلك وقد حقّقنا هذه المشكلة مفصلاً في بحث المرّة والتكرار وأثبتنا صحّة ما ذهب إليه المشهور في حلّ المشكلة.
وملخّص ما قلناه هناك : انَّ الطبيعة إِذا لاحظنا وجودها الخارجي فالاتجاه الصحيح والمشهور فيه هو انَّ نسبة الكلّي الطبيعي إلى أفراده الخارجية انَّما هي نسبة الآباء إلى الأبناء في قبال اتّجاه الرّجل الهمداني القائل بأنَّ نسبة الطبيعي إلى أفراده