البيان الأول : انَّ غاية ما تثبت بمقدمات الحكمة ، كون الطبيعة هي تمام موضوع الحكم وامّا سريان الحكم إلى الافراد ومصاديق الطبيعة فلا تثبت في مرحلة المدلول الوضعي والاستعمالي للكلام وانما تثبت في مرحلة الانحلال والتطبيق العقلي بقانون انطباق الطبيعة على كل فرد من افرادها. ومن هنا تكون ميزة الدلالة الإطلاقية وعلامتها الفارقة اننا لا نرى فيها ثبوت الحكم على الافراد بما هي افراد بل على الطبيعة بما هي هي ، بخلاف العمومات الوضعيّة ـ كما تقدم شرح ذلك في مستهل هذا الفصل ـ ولا ينبغي الإشكال وجدانا في دلالة الجمع المحلى باللام على ثبوت الحكم على الافراد بما هي افراد فأكرم العلماء لا يفهم منه ثبوت الحكم لطبيعة الجمع كما في أكرم العالم الدال على ثبوت الحكم لطبيعة العالم ، بل يفهم منه ثبوت الحكم على افراد العلماء وقد قلنا انَّ مثل هذه الدلالة لا يمكن أَنْ تكون من شئون الإطلاق ومقدمات الحكمة.
وهذا البيان يمكن الجواب عليه نقضا وحلاًّ.
امّا نقضا ، فبالجمع المضاف بناءً على مسلك المحققين من عدم دلالته على العموم مع انَّ لحاظ الافراد محسوس فيها وجدانا أيضا.
وثانيا : انه يمكن لمنكر العموم الوضعي أَنْ يدّعي استناد الدلالة على الافراد إلي اللام المقتضية للتعيين الصدقي ـ على ما تقدم في إبطال الوجه السابق ـ بنحو يلغي احتمال إرادة التكثرات الكمية اللامتعينة صدقا ويعين الاستغراق في افراد إحدى المحدّدات النوعية وبهذا تكون الافراد ملحوظة إلاّ انه مع ذلك لا يكفي ذلك لإفادة العموم المطلوب ما دام لا يعين المحدد النوعيّ في المرتبة العامة الواسعة فيحتاج إلى مقدمات الحكمة لتعيين انَّ المحدد النوعيّ هو مدلول مادة الجمع لا غير. هذا إلاّ انَّ هذا البيان لا يكفي لحل الإشكال في مورد النقض بالجمع المضاف وسوف يأتي مزيد توضيح لهذه النقطة (١).
البيان الثاني : انَّ مقدمات الحكمة والإطلاق انما تجري في مورد يكون المدلول
__________________
(١) قد تقدم ان استفادة التكثر الأفرادي منشأ هيئة الجمع ، الا أن هذه الخصوصية ليست حقيقة العموم وانما العموم هو الاستيعاب لتمام وجود الشيء أو الطبيعة.