من دون قيد زائد وامَّا البدليّة والشموليّة فهما من شئون تطبيق الحكم وليسا مدلولين لمقدمات الحكمة ولا للوضع ، فانَّ الحكم على الطبيعة لو كان غير قابل للانطباق على جميع الأفراد فهو بدلي وإِلاّ فشمولي.
وتوضيح ذلك : انَّ هناك متعلّقاً للحكم وموضوعاً والموضوع يفرض مفروغاً عن وجوده بخلاف المتعلّق إِذ لو كان مفروغاً عنه قبل الحكم كان الأمر به تحصيلاً للحاصل ، وحينئذ يقال : انَّ الطبيعة المفروغ عنها في المرتبة السابقة على الحكم يستتبع لا محالة انطباقها على جميع ما يصلح أَنْ يكون مصداقاً لها فيتعدد الحكم بتعدد فعليات تلك الطبيعة كما هو شأن القضيّة الشرطيّة ، فأكرم العالم يرجع إلى قولنا إِنْ كان هذا عالماً وجب إِكرامه ، هذا في طرف الموضوعات وامَّا في طرف المتعلقات فالقاعدة تقتضي العكس لأنَّ المتعلّق لم يفرض وجوده كي يتعدد الحكم تطبيقاً بتعدد فعلياته.
بل انَّما يثبت بنفس الحكم فلا موجب لتعدده.
وبتعبير واضح انَّ القضية الحقيقيّة المناط فيها الحكم بالشرط انَّما يتعدد بلحاظ الشرط لا بلحاظ المتعلّق والجزاء ، ومن هنا قلنا في بحث المرّة والتكرار ، انَّ الأصل في الموضوعات هو الإطلاق الشمولي والأصل في المتعلّقات هو الإطلاق البدلي ، ولكنه يوجد استثناءان ان لذلك أحدهما ـ عن الأصل الأول حيث يستثنى من هذا الأصل في الموضوعات ما إِذا كان الموضوع منوّناً من قبيل أكرم عالماً ـ حيث انَّ الاسم يحتاج إلى ما يتّكئ عليه من تنوين أو الألف واللام ـ فيصير الإطلاق بدليّاً من جهة انَّ تنوين التنكير يكون ظاهراً في أخذ قيد الوحدة وصرف الوجود فيه وهذا لا يعقل مع الشمولية (١).
__________________
(١) ليس التنوين الدال على الوحدة ينافي الشمولية بدليل دخوله على موضوع النهي في قولك لا تكرم عالماً مع شموليّته بل حتى في الأمر إذا أخذ مقدر الوجود كما إذا قال إنْ رأيت عالماً فأكرمه بل السر هو ان ( عالماً ) في أكرم عالماً وإِن كان بحسب الموقع اللفظي موضوعاً في الجملة ولكنه بحسب المعنى واللّب قيد في متعلّق الأمر فلا يفهم أخذه مقدر الوجود بل لو أمكن إيجاده لإكرامه لوجب لو لا القرينة الخاصّة نظير قولنا ابن مسجداً أو توضأ بالماء ـ رغم عدم التنوين في الأخير ـ فالمعنى أوجد إكرام عالم ، وهذا يتحقق بإكرام عالم واحد بنحو صرف الوجود وامّا في لا تكرم عالماً فحيث انّ المطلوب إعدام إكرام عالم ، فلا يتحقق إِلاّ بترك إكرام كلّ عالم. فالحاصل كلّما كان القيد قيداً في متعلّق الأمر ولو كان بحسب ظاهر اللفظ في مركز الموضوع فلا ينحل الحكم بلحاظه فليس هذا استثناءً عن القاعدة السابقة. وأمّا الانحلال في ( أكرم العالم ) فلأنَّ اللام تدلّ على أنّه مقدر الوجود سواءً كانت للعهد أو الجنس فتأمّل جيداً.