أقول : امَّا المصير إلى فرض مدلول الأمر والنهي هو الاعتبار فهذا أيضا يكون منه انسجاماً مع مسلكه في الوضع بنحو ينشأ منه الدلالة التصديقيّة وقد تقدّم في محلّه توضيح انَّ المدلول الوضعي للأمر ليس هو الاعتبار وإِنْ كان قد يستظهر كون المدلول التصديقي هو الاعتبار بدلالة سياقيّة.
وهنالك بعض الشواهد على ذلك من قبيل انَّ فكرة الاعتبار وما يرتبط بها وما تستلزمه من افتراض وعاء ذمّة وعهدة للمكلَّف أُمور دقيقة معقّدة لا تنسجم مع الدلالة الوضعيّة التي هي أبسط وأقدم تصوراً من مثل هذا التعقيد ، وانَّ صيغة الأمر كما تصدر من العالي الّذي قد يكون لديه اعتبار كذلك قد تصدر من الدّاني إلى العالي كما في قولنا « ربَّنا اغفرْ لنا » بينما لا يخطر على بالنا افتراض جعل شيء في ذمة الله تعالى واعتباره على عهدته (١).
وامَّا الاستدلال على كون مفاد النهي اعتبار حرمان المكلّف لا اعتبار الترك في ذمته بمذهب العدلية فيرد عليه.
أولا : انَّنا نتكلّم في الوضع اللغويّ الثابت قبل تكون مثل هذه المسالك الفلسفيّة لدى علماء المسلمين فما معنى الاستدلال على مدلول لغويّ وضعي بمذهب كلامي لدى فرقة من المسلمين.
وثانياً : انَّ مذهب العدليّة لا يقتضي ذلك إِذ المولى كما يمكنه أنْ يتوصّل إلى تبعيد المكلَّف عن مفسدة الفعل عن طريق اعتبار حرمانه كذلك يمكنه أنْ يتوصَّل إلى نفس النتيجة عن طريق اعتبار الترك في ذمته ومجرّد مناسبة اعتبار الحرمان مع مفسدة الفعل لا تكون دليلاً على أنَّ الواضع قد لاحظ هذه المناسبة بعين الاعتبار ولم يغفل أو يتغافل عنها.
الكلمة الثالثة ـ ما هو المختار فنقول : انَّ ما قيل في الكلمة الأولى من الفرق بين مفاد صيغة النهي ومفاد صيغة الأمر صحيح.
__________________
(١) للقائل بمسلك الاعتبار أن يجعل المدلول الوضعي في هذه الموارد الدعاء ابتداءً. نعم هذا يؤدي إلى أَنْ يكون المدلول التصديقي للصيغة ابتداءً متعلّقاً بمدلول المادة وهذا غريب في نفسه على ما تقدّم نظيره في بحوث الأمر.