فكلّ من الصيغتين لها دلالة تصوريّة وتصديقيّة وهما تختلفان في كلتا الدلالتين على ما تقدّم والحجّة عليه هو الوجدان القاضي بأنَّ ما يفهم من صيغة افعلْ يختلف عمّا يفهم من صيغة لا تفعل اختلافاً ذاتياً لا اختلافاً بحسب المتعلَّق كما هو مدعى القدماء. وهناك منبِّهات لهذا الوجدان أهمّها :
انَّ الصيغتين لو كان مفادهما متباينين ـ كما هو المدَّعى ـ فلا نحتاج إلى افتراض شيء وراء المعنى الحرفيّ للهيئة والمعنى الاسمي للمادة في اقتناص مفاد الأمر والنهي كاملة.
فيكون مدلول ( صلِّ ) مثلاً هو الإرسال والتحريك نحو الصلاة أي النسبة الإرسالية نحو الصلاة ومدلول ( لا تصلِّ ) مثلاً هو الزجر والمنع عن الصلاة أي النسبة الزجريّة عن الصلاة.
وامَّا إِذا أخذنا بوجهة نظر القدماء فنحتاج إلى توسيط عنصر ثالث وإدخال معنى آخر غير مفاد الهيئة والمادة في مفاد النهي إذ الطلب أو النسبة الطلبيّة أو التحريكيّة هل يكون متعلِّقاً بالمادة فهذا خلف المقصود من النهي أو يكون متعلِّقاً بتركها فهذا إدخال عنصر الترك الّذي لا يكون مدلولاً للمادة في مدلولها لأنَّ مدلولها الطبيعة التي وإِنْ كانت لم يؤخذ فيها لا الوجود ولا العدم إِلاّ انَّها انَّما تصلح مرآة لما يوجد من افرادها لا لتركها فهذه المشكلة التي يواجهها أصحاب هذا الاتجاه تجعلهم أمام أمرين فإما أنْ يلتزموا بدال ثالث وراء الهيئة والمادة يدلّ على هذا العنصر الغريب عنهما وهذا خلف المفروض أو أَنْ يأخذونه في مدلول أحد الدالّين ، فانْ أخذ في طرف المادة بدعوى : انَّ الصلاة في لا تصلِّ مثلاً مستعملة في ترك الصلاة مجازاً وعناية فهذا واضح البطلان بحسب وجدان كلّ عرفي القاضي بعدم عناية ولا تجوّز في طرف النواهي كالأوامر وإِنْ أخذ في طرف المادة بأَنْ أخذت فانية في الترك الخارجي فهذا أيضا مستحيل لما قلناه من انَّ الطبيعة انَّما تُفنى في وجودها في الخارج لا في عدمها.
وإِنْ أخذ في طرف الهيئة فهذا أيضا غير عرفي بل خلاف الأوضاع اللغوية لأنّ الهيئة معنى حرفي نسبي والترك معنى اسمي لا بدَّ وأن يقع طرفاً للنسبة ونحن لم نعهد أَنْ يكون ما له معنى حرفي دالاً على النسبة وطرفها معاً.