__________________

وتمهيدا لذلك لا بد من الإشارة إلى الآراء في تقديم الخاصّ على العام ، وهي وجوه :

منها : ما قربناه من ان دلالة العام على العموم تتبع جريان مقدمات الحكمة في المدخول ، فيكون الخاصّ منافيا لإطلاق المدخول ، فيتأتى فيه الوجه في تقديم المقيد على المطلق ، وهو كشفه عن عدم كون المتكلم في مقام البيان من جهة المقيد فلا إطلاق له.

ومنها : ما ذهب إليه المحقق النائيني ـ في بعض كلماته ـ من انه لأجل قرينية الخاصّ على العام ، والقرينة مقدمة عرفا على ذي القرينة بلا كلام ، وعلى هذا بني تقديم الخاصّ على العام ولو كان ظهور الخاصّ أضعف من ظهور العام.

ومنها : ما يظهر من صاحب الكفاية وغيره ، من انه لأجل كون الخاصّ أظهر من العام ، والأظهر يقدّم على الظاهر عرفا.

إذا عرفت ذلك فلنبدأ في الكلام بالصورة الثانية ، وهي : ما إذا ورد عامين بينهما العموم من وجه ، ثم ورد خاص لأحدهما يخصصه في مورد الافتراق ، كما لو ورد : « أكرم العلماء » وورد : « لا تكرم النجفيين » ، وورد : « لا تكرم العالم غير النجفي ».

وليعلم ان البحث يقع في : ان الخاصّ بمجرد ثبوته ووجوده هل يؤثر في قلب النسبة بين : « لا تكرم النجفيين » و : « أكرم العلماء » بالمعنى الّذي عرفته لانقلاب النسبة أو لا يؤثر؟ وليس البحث في انه بعد إعمال الخاصّ وتقديمه هل تنقلب النسبة أو لا؟ كي يرد عليه : بأنه ما الوجه في ملاحظة الخاصّ أوّلا قبل العام الآخر.

يبقى في المقام شيء لا بد من التنبيه عليه فيما نحن فيه ، وان تعرض له الاعلام في مجال آخر ، وهو : انه على القول بانقلاب النسبة ولزوم الترتيب في العلاج في بعض الموارد ، قد نعين لزوم الترتيب في العلاج بين الخاصّين الصادرين عن إمامين ، فيخصص العام بالأول ، فمع ورود الثاني تكون نسبته مع العام نسبة العموم من وجه لا نسبة العموم المطلق.

وأورد عليه في مصباح الأصول : بأنه قد مرّ مرارا بأن الكلام الصادر عن المعصومين بمنزلة كأنه كلام واحد ، لأنهم في مقام بيان الأحكام لا تأسيسها ، فلا وجه حينئذ لملاحظة الخاصّ الأسبق زمانا ثم يلاحظ المتأخر ، بل يخصص العام بهما دفعة واحدة كما تقدم.

والتحقيق ان يقال : ان القائل بانقلاب النسبة اما لأجل ان المخصص المنفصل يهدم ظهور العام في العموم كالمخصص المتصل ، باعتبار ان ظهور العام في العموم بالإطلاق ، واعتبار جواز المقدمات في المراد الجدي كما تقدم ، أو لأجل انه يضيق دائرة حجيته ، وموضوع المعارضة هو الدليل بلحاظ حجيتهما ـ مع بقاء ظهور العام في العموم اما لأن ظهوره بالوضع أو بالإطلاق ، ولكن المقدمات تجري في المراد الاستعمالي.

۴۵۶۱