يلتزم بأن دلالة ألفاظ العموم على الاستغراق ليست بالوضع وبنفسها ، بل بتبع ما يراد من مدخولها بحسب جريان مقدمات الحكمة فيه.
ويلتزم أيضا بأن مجرى مقدمات الحكمة هو المراد الجدي بحيث يكون الدليل المنفصل موجبا لتضييق دائرة ظهوره الإطلاقي كالمتصل ، وكاشفا عن انه لم يكن في مقام البيان من جهة المقيد ، فينهدم إطلاقه من هذه الجهة وينعقد في غيرها.
من يلتزم بهذين الالتزامين ، لا محيص له عن الالتزام بانقلاب النسبة ، إذ مع ورود الدليل الخاصّ المنافي لأحد العامين ينهدم إطلاقه وينعقد في غير مورد القيد ، فيكون بالنسبة للعام الآخر خاصا.
وبما ان المحقق النائيني يلتزم بكلام الالتزامين فانقلاب النسبة لديه ضرورة واضحة.
__________________
وعلى كلا التقريبين يتعين الترتيب في الملاحظة مع السبق الزماني ولو من امام واحد.
اما على الأول ، فواضح ، لأنه بعد ورود الخاصّ الأول ينهدم ظهور العام في الباقي ، فتكون نسبة الثاني حين وروده نسبة العموم من وجه ، كما لا يخفى.
واما على الثاني ، فظهور العام وان كان بعد ورود الخاصّ الأول على حاله ، إلاّ ان حجيته ـ التي هي مناط المعارضة لا ظهوره ـ تتضيق قطعا ، فيكون العام حجة في غير مورد الخاصّ الأول ، ويبقى هكذا حتى ورود الخاصّ الثاني ، ومعارضة الخاصّ الآخر انما هي بمقدار حجيته لا بمقدار ظهوره كما هو الفرض.
وهما بهذا اللحاظ عامّان من وجه ، وان كان بينهما بلحاظ الظهور عموم وخصوص مطلق.
ومن هنا يظهر ما في كلام مصباح الأصول من الابتعاد عن موضع الكلام ونكتته ، فان كون كلام الكل بمنزلة كلام واحد لا ينافي ما ذكرنا ، إذ تعدد الصادر منه الكلام ووحدته لا ترتبط بنكتة المطلب التي بيّناها ، المتقومة بالسبق الزماني وان صدر الكلامان عن امام واحد.
نعم ، هذا ـ أعني : ما ذكرناه ـ انما يجدي بالنسبة إلى من أدرك الإمامين وسمع من الأول الخاصّ الأول ومن الآخر الثاني. اما بالنسبة إلى من تأخر عن زمان الأئمة عليهمالسلام ، وعثر على العام والمخصصين المترتبين زمانا ، فلا يجدي ما ذكر ، لأن ما ذكرناه متقوم بكون العام حجة لديه في غير مورد الخاصّ الأول ثم يرد الخاصّ الآخر ، والحجية انما تكون بالوصول ، ومع وصول المجموع دفعة واحدة لم يكن العام قبل ورود أحد الخاصّين حجة بالنسبة إليه كي تنقلب نسبته مع وروده ، بل هو في هذه الحال حجة في غير مورد الخاصّين. فلاحظ.