تنبيه :
قد يقال : بان اعتبار الدخول في الغير المترتب شرعا يستلزم عدم جريان قاعدة التجاوز في جزء الجزء ، لما عرفت من ان الترتيب بين أجزاء الجزء ليس بشرعي ، بل هو مقوم للمأمور به بحيث يكون الإخلال به إخلالا بنفس الجزء المأمور به لا إتيانا به بغير ترتيب ، كما تقدم تقريبه في تكبيرة الإحرام. وعليه فمع الشك في جزء الجزء مع الدخول في الجزء الآخر للجزء ، كالشك في كلمة : « الله » مع الدخول في كلمة : « أكبر » لا يتحقق الشك بعد الدخول في الغير المترتب شرعا لعدم ترتب كلمة : « أكبر » على كلمة : « الله » شرعا ، بل الترتيب بينهما عقلي ، فلا مجال لجريان قاعدة التجاوز.
ولكنه يمكن التفصي عن هذا الإشكال بأحد وجهين :
الأول : أن الترتيب وان كان مقوما للمأمور به عقلا إلا ان هذا لا ينافي تعلق الأمر به ، وذلك لأن المأمور به إذا كان متقوما بالترتيب كان مركبا من مادة وصورة ، فالمادة هي نفس الألفاظ الخاصة كلفظ : « الله » و : « أكبر » في التكبير ، والصورة هي الهيئة الخاصة التي يؤتى بالألفاظ عليها. وحينئذ فالأمر بهذا المركب أمر بمادته وصورته ، لأن معناه الإتيان بهذه الألفاظ بالنحو الخاصّ من التقديم والتأخير ، فالصورة التي هي عبارة أخرى عن الترتيب مأمور بها كما أن المادة مأمور بها ، وذلك لا يتنافى مع تقوم المأمور به بالترتيب. فمثلا بيت الشعر عبارة عن الألفاظ الخاصة على الهيئة المخصوصة بحيث إذا كان الإتيان بالألفاظ لا على الهيئة المخصوصة لا يعد ذلك شعرا ، فالوزن مقوم لصدق الشعر ، فالأمر بالشعر لما كان معناه الأمر بالألفاظ الموزونة يكون في الواقع أمرا بالوزن كما هو أمر بنفس الألفاظ.
وعليه ، فإذا كان الترتيب مأمورا به شرعا كان الدخول في الجزء الآخر للجزء دخولا في الغير المترتب شرعا.