وجود واحد ذو مرتبتين : مرتبة ضعيفة لا يترتّب عليه جميع آثاره ، ومرتبة شديدة بخلافها. ولنسمّ المرتبة الضعيفة : «وجودا بالقوّة» ، والمرتبة القويّة : «وجودا بالفعل».
ثمّ إنّ المقبول بوجوده بالقوّة معه بوجوده بالفعل موجود متّصل واحد ، وإلّا بطلت النسبة ، وقد فرضت ثابتة موجودة ، وهذا خلف. وكذا المقبول بوجوده بالقوّة مع القابل موجودان بوجود واحد ، وإلّا لم يكن أحد الطرفين موجودا للآخر فبطلت النسبة ، وهذا خلف. فوجود القابل ووجود المقبول بالقوّة ووجوده بالفعل جميعا وجود واحد ذو مراتب مختلفة يرجع فيه ما به الاختلاف إلى ما به الاتّفاق ، وذاك من التشكيك.
هذا فيما إذا فرضنا قابلا واحدا مع مقبول واحد. وأمّا لو فرضنا سلسلة من القوابل والمقبولات ذاهبة من الطرفين متناهية أو غير متناهية في كلّ حلقة من حلقاتها إمكان الفعليّة التالية لها وفعليّة الإمكان السابق عليها على ما عليه سلسلة الحوادث في الخارج كان لجميع الحدود وجود واحد مستمرّ باستمرار السلسلة ذو مراتب مختلفة. وكان إذا قسّم هذا الوجود الواحد على قسمين كان في القسم السابق قوّة القسم اللاحق ، وفي القسم اللاحق فعليّة القسم السابق. ثمّ إذا قسّم القسم السابق مثلا على قسمين كان في سابقهما قوّة اللاحق وفي لاحقهما فعليّة السابق. وكلّما أمعن في التقسيم وجزّئ ذلك الوجود الواحد المستمرّ كان الأمر على هذه الوتيرة ، فالقوّة والفعل فيه ممزوجان مختلطان.
فكلّ حدّ من حدود هذا الوجود الواحد المستمرّ كمال بالنسبة إلى الحدّ السابق ، ونقص وقوّة بالنسبة إلى الحدّ اللاحق ، حتّى ينتهي إلى كمال لا نقص معه ـ أي فعليّة لا قوّة معها ـ كما ابتدئ من قوّة لا فعليّة معها. فينطبق عليه حدّ الحركة ، وهو : أنّها كمال أوّل لما بالقوّة من حيث إنّه بالقوّة.
فهذا الوجود الواحد المستمرّ وجود تدريجيّ سيّال يجري على المادّة الحاملة للقوّة ، والمختلفات هي حدود الحركة وصور المادّة.