الفصل الثالث عشر
في أنّ العلم بذي السبب لا يحصل
إلّا من طريق العلم بسببه وما يتّصل بذلك السبب (١)
ونعني به العلّة الموجبة للمعلول بخصوصيّة علّيّته ، سواء كانت علّة بماهيّتها كالأربعة الّتي هي علّة للزوجيّة (٢) أو كانت علّة بوجودها الخارجيّ ، وهي الأمر
__________________
(١) الغرض من عقد هذه المسألة بيان البرهان المفيد لليقين. قال المصنّف رحمهالله ـ تعليقا على الأسفار ٣ : ٣٩٦ ـ : «هذه المسألة أوردوها في كتاب البرهان من المنطق (راجع الفصلين الثامن والتاسع من المقالة الأولى من كتاب البرهان من منطق الشفاء) وهي : أنّ اليقين بما له سبب لا يحصل إلّا من جهة اليقين بسببه. وبيّنوه بأنّه لو تحقّق العلم بوجود ذي سبب وجب تحقّق العلم بوجود سببه قبله ، وإلّا جاز عدمه ، وهو مساوق لجواز عدم السبب ، وقد فرض العلم بأنّه موجود بالضرورة ، هذا خلف. وفرّعوا على ذلك عدم إفادة أحد قسمي البرهان الإنّيّ للعلم ، وهو القياس الّذي أوسطه علّة لوجود الأصغر ، وذلك أنّ العلم بالمعلول لا يتمّ إلّا مع العلم بوجود علّته قبله ، فيكون إثبات وجود العلّة به ثانيا لغوا لا أثر له ، فينحصر البرهان ـ وهو القياس المفيد لليقين ـ في قسمين : (أحدهما) البرهان اللمّيّ الّذي يسلك فيه من إثبات العلّة إلى إثبات المعلول. و (ثانيهما) البرهان الإنّيّ الّذي يسلك فيه من بعض اللوازم العامّة إلى بعضها ، كالبراهين الإنّية المستعملة في الفلسفة الاولى» انتهى كلامه ملخّصا.
(٢) ولا يخفى أنّ الماهيّة من أسباب القوام ، لا أسباب الوجود. ومن هنا يظهر أنّ المراد من السبب الّذي لا يحصل العلم بذي السبب إلّا من طريق العلم به هو ما يعمّ سبب القوام وسبب الوجود.