الفصل الثالث
في أنّ الواجب لذاته لا ماهيّة (١) له (٢)
وقد تقدّمت المسألة في مرحلة الوجوب والإمكان (٣) وتبيّن هناك أنّ كلّ ما له ماهيّة فهو ممكن ، وينعكس إلى أنّ ما ليس بممكن فلا ماهيّة له ، فالواجب بالذات لا ماهيّة له ، وكذا الممتنع بالذات.
وأوردنا هناك أيضا الحجّة المشهورة الّتي أقاموها لنفي الماهيّة عن الواجب تعالى وتقدّس ، وهي : أنّه لو كانت للواجب تعالى ماهيّة وراء وجوده كانت في ذاتها لا موجودة ولا معدومة (٤) ، فتحتاج في تلبّسها بالوجود إلى سبب ، والسبب إمّا ذاتها أو أمر خارج منها ، وكلا الشقّين محال. أمّا كون ذاتها سببا لوجودها فلأنّ
__________________
(١) والمراد من الماهيّة هو الماهيّة بالمعنى الأخصّ ، أي ما يقال في جواب ما هو؟ فهذا لا ينافي قولهم : «إنّ الواجب الوجود بالذات ماهيّته إنّيّته» فإنّ المراد من الماهيّة هناك هو الماهيّة بالمعنى الأعمّ ، أي ما به الشيء هو هو.
(٢) لا يخفى أنّ هذه المسألة من مهمّات مسائل الإلهيّات ، فإنّه يبتني عليها كثير من المسائل الإلهيّة. منها : إثبات بساطة وجود الواجب تعالى. ومنها : عدم وجود جنس مشترك بينه وبين غيره من الموجودات. ومنها : إثبات أنّ كنهه في غاية الخفاء ولا يقدر العقل على معرفة كنهه. ومنها : إثبات توحيده.
(٣) راجع الفصل الثالث من المرحلة الرابعة.
(٤) لأنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلّا هي ، لا موجودة ولا معدومة.