الفصل الرابع والعشرون

في دوام الفيض

قد تبيّن في الأبحاث السابقة (١) أنّ قدرته تعالى هي مبدئيّته للإيجاد وعلّيّته لما سواه ، وهي عين الذات المتعالية ، ولازم ذلك دوام الفيض واستمرار الرحمة وعدم انقطاع العطيّة.

ولا يلزم من ذلك دوام عالم الطبيعة ، لأنّ المجموع ليس شيئا وراء الأجزاء ، وكلّ جزء حادث مسبوق بالعدم ، ولا تكرّر في وجود العالم على ما يراه القائلون بالأدوار والأكوار (٢) لعدم الدليل عليه.

وما قيل (٣) : «إنّ الأفلاك والأجرام العلويّة دائمة الوجود بأشخاصها ، وكذلك

__________________

(١) في الفصل الثالث عشر من هذه المرحلة.

(٢) وهم الاشراقيّون ، فإنّه ـ بعد اتّفاقهم على أنّ نقوش جميع الكائنات في نفوس الأفلاك ـ ذهب بعضهم إلى أنّ الكائنات الّتي هي آثار النقوش واجبة التكرار في الأعيان فيعود شبيها بعد آلاف. وهذا ما اختاره الشيخ الإشراقيّ في حكمة الإشراق : ٢٣٧ ، حيث قال : «واعلم أنّ نقوش الكائنات أزلا وأبدا محفوظة ، في البرازخ العلويّة مصوّرة ، وهي واجبة التكرار». فالحوادث المترتّبة الزمانيّة غير متناهية في الماضي والمستقبل وكان للنفوس الفلكليّة علم بها ، فوجب أن تكون العلوم المتعلّقة بالحوادث الغير المتناهية متناهية العدد وواجبة التكرار. وذهب بعض آخر منهم إلى القول بالمحو والإثبات.

(٣) هذا القول منسوب إلى أساطين الحكماء الأقدمين ، كبرقلس وفورقلس من قدماء ـ

۳۳۶۱