الفصل الثالث
في المعيّة
وهي اشتراك أمرين في معنى (١) من غير اختلاف بالكمال والنقص اللذين هما التقدّم والتأخّر ، لكن ليس كلّ أمرين ارتفع عنهما نوع من التقدّم والتأخّر معين في ذلك النوع ، فالجواهر المفارقة ليس بينهما (٢) تقدّم وتأخّر بالزمان ولا معيّة في الزمان. فالمعان زمانا يجب أن يكونا زمانيّين من شأنهما التقدّم والتأخّر الزمانيّان ، فإذا اشتركا في معنى زمانيّ من غير تقدّم وتأخّر فيه فهما المعان فيه.
وبذلك يظهر أنّ تقابل المعيّة مع التقدّم والتأخّر تقابل العدم والملكة (٣). فالمعيّة
__________________
(١) أي : في مبدأ.
(٢) أي : بين الجوهرين منها.
(٣) كما في الأسفار ٣ : ٢٦٨.
وقال الحكيم السبزواريّ ـ تعليقا على الأسفار ٣ : ٢٦٨ ـ : «لعلّك تقول : إنّا نقطع بأنّ المعيّة ليست مجرّد رفع التقدّم والتأخّر ، بل أمر وجوديّ يلزمه هذا الرفع ، كما أنّ السواد ليس مجرّد رفع البياض ـ مثلا ـ بل كيفيّة ملزومة للرفع.
قلنا : الاثنان إمّا مثلان وإمّا خلافان وإمّا مقابلان. والتقابل أربعة مشهورة. لا مجال للتماثل بين المعيّة وبين التقدّم والتأخّر ، وهو واضح ؛ ولا للتخالف ، لعدم جواز اجتماع المعيّة معهما في المحلّ ، ولا للتضايف ـ كما ذكره رحمهالله ـ ولا للتضادّ ، لعدم التعاقب على موضوع واحد ، إذ لا يجوز ورود المعيّة بالذات على العقل الأوّل والثاني اللّذين هما موضوعا التقدّم والتأخّر بالذات. وقد أبطل السلب والإيجاب بقوله : «إذ ليس كلّ شيئين ليس بينهما ...».
فبقي أن تكون المعيّة هي رفعهما عمّا من شأنه الاتّصاف بهما بأحد المعاني. فظهر أنّ ادّعاء القطع من الوهم لا العقل. نعم ، المعيّة في نفسها من الإضافات المتشابهة الأطراف».