الفصل الثالث
في وجوب وجود المعلول عند وجود علّته التامّة (١)
ووجوب وجود العلّة عند وجود معلولها (٢)
وهذا وجوب بالقياس ، غير الوجوب الغيريّ (٣) الّذي تقدّم في مسألة :
__________________
(١) وقد يعبّر عنه ب «امتناع تخلّف وجود المعلول عن وجود العلّة التامّة».
(٢) ومعناه على ما مرّ منّا في تعريف العلّة والمعلول أنّه يجب الأثر ـ وهو الوجود المعلول ـ عند وجود مؤثّره من حيث هو مؤثّر بالفعل ، ويجب وجود المؤثّر عند وجود أثره من حيث هو أثره بالفعل.
وإن شئت فقلت : يجب وجود الفيض عند وجود الفيّاض من حيث هو فيّاض له بالفعل. ويجب وجود الفيّاض عند وجود فيضه من حيث هو فيضه بالفعل. وبتعبير آخر : إنّ العلّة ـ كما مرّ ـ ذات تؤثّر في الوجود من حيث هي مؤثّرة بالفعل ، فإن كانت الذات تؤثّر في الوجود من دون أن تتأثّر من غيره فهي العلّة التامّة ، وإلّا فهي العلّة الناقصة.
ومن هنا يظهر أنّ الذات لا تتّصف بالعلّيّة ما لم تؤثّر في غيره ؛ فإنّها من حيث هي ليس إلّا نفسها ، فتخلّفت عن الوجود المعلول قبل أن تؤثّر ، وأمّا من حيث هي مؤثّرة بالفعل يمتنع تخلّفها عن الوجود المتأثّر.
فالأولى أن يقال : إذا صارت الذات علّة تامّة فيمتنع تخلّف المعلول عنها ، لأنّ الذات لم تصر علّة إلّا إذا تؤثّر في الشيء وجودا ، والتأثير غير منفكّ عن الأثر ، فإنّ نسبة الأثر إلى المؤثّر نسبة الظلّ إلى الشاخص. وأمّا قبل أن تؤثّر فيه وجودا فلا يمتنع تخلّفها عن المعلول.
(٣) والفرق بين الوجوب بالقياس والوجوب الغيريّ من وجهين :