الفصل الأوّل
في إثبات العلّيّة والمعلوليّة ، وأنّهما في الوجود
قد تقدّم (١) أنّ الماهيّة في حدّ ذاتها لا موجودة ولا معدومة (٢) ، فهي متساوية النسبة إلى الوجود والعدم ، فهي في رجحان أحد الجانبين لها محتاجة إلى غيرها الخارج من ذاتها. وأمّا ترجّح أحد الجانبين لذاتها لا لمرجّح وراء ذاتها (٣) فالعقل
__________________
(١) راجع الفصل الأوّل من المرحلة الخامسة.
(٢) بمعنى أنّ الموجود واللاموجود ليس شيء منهما مأخوذا في حدّ ذاتها ، بأن يكون عينها أو جزءها.
(٣) وفي النسخ : «لا لمرجّح من ذاتها ، ولا من غيرها». والصحيح ما أثبتناه. والوجه في ذلك أنّه لا معنى لكون ذات الماهيّة مرجّحة لوجودها إلّا بناء على القول بالأولويّة الذاتيّة الكافية الّذي لا قائل به ، كما قال صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ : «فأمّا تجويز كون نفس الشيء مكوّن نفسه ومقرّر ذاته مع بطلانه الذاتيّ فلا يتصوّر من البشر تجشّم في ذلك ما لم يكن مريض النفس». مضافا إلى أنّه يناسب القول بأصالة الماهيّة ، وإلّا فالماهيّة من حيث هي ليست إلّا هي ، لا موجودة ولا معدومة ، لا مرجّحة ولا مترجّحة ، فكيف تكون مرجّحة؟! فلا يصحّ أن يقال : «لا لمرجّح من ذاتها» ، فإنّ المرجّح خارج عن ذات الشيء لا محالة.
فالصحيح أن يقال : «وأمّا ترجّح أحد الجانبين لذاتها ـ بحيث كان الوجود أو العدم عينها أو جزءها ـ لا لمرجّح وراء ذاتها ، فالعقل الصريح يحيله».
والوجه في الاستحالة أنّه يستلزم عدم كون الماهيّة متساوية النسبة إلى الوجود والعدم في ـ