الفصل الثالث والعشرون
في حدوث العالم
قد تحقّق فيما تقدّم من مباحث القدم والحدوث (١) أنّ كلّ ماهيّة ممكنة موجودة مسبوقة الوجود بعدم ذاتيّ (٢) ، فهي حادثة حدوثا ذاتيّا. والعدم السابق على وجودها بحدّه منتزع عن علّتها الموجدة لها ، فهي مسبوقة الوجود بوجود علّتها متأخّرة عنها.
وإذ كان المبدأ الأوّل لكلّ وجود إمكانيّ ـ سواء كان مادّيّا أو مجرّدا ، عقليّا أو غير عقليّ ـ هو الواجب لذاته تعالى فكلّ ممكن موجود حادث ذاتا بالنسبة إليه ، ومجموع الممكنات ـ المسمّى بعالم الإمكان وبما سوى البارئ تعالى ـ ليس شيئا وراء أجزائه ، فحكمه حكم أجزائه ، فالعالم بجميع أجزائه حادث ذاتا مسبوق الوجود بوجود الواجب لذاته.
ثمّ إنّا لو أغمضنا عن الماهيّات وقصرنا النظر في الوجود بما أنّه الحقيقة الأصيلة وجدنا الوجود منقسما إلى واجب لذاته قائم بذاته مستقلّ في تحقّقه وثبوته وممكن موجود في غيره رابط قائم بغيره الّذي هو الواجب ، كان كلّ وجود
__________________
(١) في الفصل السادس من المرحلة العاشرة.
(٢) أي : العدم المجامع الّذي يسبق على وجود الممكن.